lundi 17 octobre 2011

مصر : هل تتحول دور العبادة إلى حصان طروادة


تشهد مصر هذه الأيام سجالا واسعا  بين النخب الفكرية و السياسية على صفحات الجرائد ،تسهم فيه أسماء كبيرة  لها وزنها الفكري  و السياسي، حول الأحداث الطائفية الأخيرة  التي راح ضحيتها  عشرات  من شباب مصر. ،بسبب هدم  كنيسة في إحدى القرى المصرية. 
ذلك السجال ذكرني  بقصة الفيل و العميان، حيث تقول القصة أن مجموعة من العميان  طُلب منهم وصف فيل،فمسك كل واحد منهم عضوا  من الفيل وراح يصف العضو  بوصفه الفيل بكامله، من يسمك الخرطوم يصف الخرطوم  وكأنه الفيل بكامله ، و من يمسك   الذيل يصف الذيل وكأنه الفيل بكامله، ومن  تمتد يده إلى عضو  أخر، يمسك به  مسك عزيز مقتدر فيصفه وصفا دقيقا بوصفه الفيل بكامله .
هذه القصة نتسحب على الكثير مما قرأته حول تلك الأحداث الدامية. دون التوقف عند بعض  المقالات التي هي أقرب إلى النواح . هذا فضلا  عن مقالات " النسوان "التي لا تتعدى كونها صراخا وعويلا  و"ولولة".
 أما الكاتب الكبير  محمد المخزنجي في مقاله الموسوم " كيف نمحو العار "  بجريدة الشروق، فلم يستخلص من تلك  الأحداث و شلالات الدم  و المدرعات  التي كانت تحصد أرواح البشر  و الأزمة الدينية الطاحنة  التي تكاد تعصف بمصر دولة ومجتمعا ،إلا تلك القصة الرومانسية،أو السريالية  ، قصة تلك الفتاة التي حاولت إنقاذ حبيبها من تحت المدرعة" وكان يقول لها وهو يمسك يدها ما " تسبينيش" .
 لكن ما استوقفني و استرعى انتباهي وجعلني في حيرة من أمري ، إسهام الكاتب  الإسلامي الكبير  فهمي هودي . في مقاله اليومي بجريدة الشروق حول الأحداث ، الموسوم "  أسئلة الصدمة المعلقة  " كنت انتظر تحليلا معمقا  لمسألة تؤرق مصر و المصريين ، أو عل الأقل الإشارة إلى بعض مكامنها  وخلفياتها    الفكرية  و الدينية و تداعياتها  السياسية .غير أن الكاتب نحى بها منحى آخر، لا لقصور نظري و لا لعجز سياسي، إنما بدا لي التزام فكري وارتباط أيديولوجي واختيار سياسي أفقده الكثير من المصداقية الفكرية والنزاهة السياسية.
لقد تحول الأستاذ فهمي هويدي من كاتب وباحث  في  الشأن الإسلامي إلى مهندس معماري وخبير زلازل، حيث تساءل  في مقاله ،ليس لماذا هُدّم  مكان عبادة ؟ ،إنما كيف هُدِمت، وراح يشرح  الأسباب التقنية و القانونية . لكن قبل ذلك تساءل في بداية حديثه وبطريقة فيها الكثير من الدهاء و الخبث ،إن  كانت الكنيسة تملك ترخيصا أثناء البناء. بعدها خلص إلى نتيجة  كانت متضمنة في المقدمة، مفادها  أن  البناء تم بدون ترخيص، وأن تلاعبا وتدليسا  تم في إصدار الترخيص .
لقد قلب الأستاذ هويدي  المشكلة رأس على عقب وجعلها تسير على رأسها بدل قدميها  فلم تعد مسألة هدم دار  عبادة ، إنما أصبحت مسألة  ترخيص  وتدليس. فيكون بذلك قد قدم  مسوغات هدمها،  وأعطى صك غفران لهادميها.كما  أن سياق حديثه ينطوي أيضا على تهمة، لا غبار  عليها واضحة وضوح الشمس موجهة، إلى الجهات صاحبة التدليس التي يعنيها بناء الكنسية  ولاعتقد أن  الجهاديين أو السلفيين هم بناة الكنائس  .إنها تهمة من كاتب يقال عنه متسامح،  تزيد  الطين بله  و  تقود إلى المزيد من الانغلاق والتعصب الطائفي  
ما هكذا تورد الإبل، هكذا قالت العرب قديما لمن لا يحسن القيام بعمله، وهكذا يجب أن تقال لمن أعوج قلمه و أجره بثمن بخس، وما أكثرهم هذه الأيام. أما من جعل قلمه ينطق باسم الأموات فهذا لا يعكس قوة الأموات وقدرتهم على الإجابة عن أسئلة الأحياء، إنما يعني موت الأحياء. 
 مصر  لا تعاني أزمة  طائفية ، إنما تخلفا تاريخيا، تخلفا  تجلى بأشكال مختلفة وتداعيات متنوعة   سياسية، ثقافية  اجتماعية اقتصادية. دينية  . بهذا المعنى الأزمة الطائفية نتيجة وليس سببا، نتيجة التخلف و ليس سبب التخلف،ومن يجعل النتيجة سببا فقد ظل سواء السبيل . من هنا فإن حل  هذه الأزمة حلا تاريخيا وصحيحا يتعذر بدون طرحها ضمن حل المسألة التاريخية ،أي ضمن  حل المسألة الوطنية الديمقراطية ،بعبارة أكثر وضوحا  المسألة القبطية هي جزء من الكل الوطني وحلها الحقيقي، وليس الزائف و المؤقت، يمر عبر حل الكل الوطني . هنا يكمن الفرق بين  الحل الوطني الديمقراطي  و الحل غير الوطني الذي ينظر  إلى المسألة بمعزل شرطها التاريخي و سياقها الوطني الذي لعب دورا سلبيا في مراحل مختلفة في حياة مصر السياسية .مستغلة ظروف مرت بها مصر فطرحت تلك الفئات مطالبها الخاصة على حساب المجموعة الوطنية . ودافعت عن التوريث  في  إطار صفقة   كانت على حساب الشعب المصري  وعلى حساب تطلعاته  وعلى حساب دور مصر التاريخي .كما طورت قبل ذلك  أفكارا دينية انعزالية   وقيما  ثقافية  كانت أرضيتها وخصوصيتها في تاريخ مصر ما قبل الإسلام . لتجعل منها مرجعية لمصر بكاملها  تبعدها عن محيطها  الحضاري الطبيعي و الطليعي .
 إن الهدف من ذلك كله  هو أضعاف الدولة ودورها وهذه  إحدى  المرتكزات الفكرية للأقليات في الوطن العربي  التي ترى  تحقيق حقوقها  يتعذر في ظل دولة قوية وشرعية لهذا يعد إضعاف الدولة  وإنهاكها مهمة" نضالية"  من اجل تحقيق مطالبها الخاصة . وهذا ما نشهده في مصر هذه الأيام  التي تمر بظروف خاصة  ووضع خاص  وفي وقت يتحرك  فيه الشعب المصري وقواه الحية  من اجل بناء دولة قوية وعصرية تقود إلى مصر جديدة وعصرية ، تحركت  تلك القوى الطائفية و هي غير مبالية بكفاح الشعب  المصري،  من اجل تحقيق مطالب طائفية  مستغلة الوضع الدولي الذي يراهن على الكثير من القوى المحلية  باسم   حقوق الإنسان وحقوق  الأقليات  وحقوق النساء ليجعل منهم جسر عبور  وأداة اختراق  
 إن من يتشبث  بهذه  الأفكار الانعزالية ، وفي إطار طرح غير وطني وغير ديمقراطي  وخارج المجموعة الوطنية  ومهما ذهبت به الأوهام بعيدا  حول نفسه وحول مجموعته  سوف يجد نفسه لا محالة يطرق أبواب الاستعمار  وأجهزة المخابرات الدولية فتجعل منه حصان طروادة  .  


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire