samedi 19 octobre 2013

أنا ومصطفى سعيد : الثأر التاريخي المشترك . خواطر مبعثرة


      




كنت تلميذا في المرحلة الثانوية أجبرتني الظروف أن انتقل من العاصمة التي ترعرعت فيها إلى ثانوية تبعد عن العاصمة 500 كلم وفي كل عطلة أعود إلى العاصمة التي عدت إليها بعد سنتين غربة 
كنت في الحافلة  متوجها إلى وجهتي بعدما قضيت العطلة في العاصمة، كانت معي مجموعة من الكتب من ضمنها "موسم الهجرة إلى الشمال"  ولا زلت  أحتفظ بنفس النسخة  التي صدرت عن دار العودة ببيروت سنة 69 ، أما أنا فقط اطلعت عليها في منتصف السبعينيات .
الرحلة تدوم أكثر من سبع ساعات بعدما انطلقت الحافلة من قلب العاصمة انطلقت أنا أيضا في قراءة الرواية ولا أرفع رأسي عن صفحاتها إلا لأتذكر معلمتي الفرنسية في المرحلة الابتدائية كانت تدعى مدام  بيرو .
بعد استقلال الجزائر ،كان أبي أحد أبطاله و شهدائه، وبعد ما توفي أخوة لي أثناء  الثورة ،  التوفيق و هاجر ،حملتني أمي على أكتافها  التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 25 سنة وهي من مواليد  37  توجهت بي  إلى العاصمة  عند أخوالي وعماتي، لا يزالون كلهم  أحياء
  في المدرسة بدأت أشعر بعالم غريب عني، الأطفال لا يشبهون أطفال قريتي ولا النساء يشبهون أمي التي كانت محجبة  أو ما كنا نسيمه الحايك  بينما نساء المدينة سافرات و بلباس  عصري. وما  كان يذهلني أكثر حديثهم كله  باللغة الفرنسية  مع أطفالهم  الذين كانوا  يردون باللغة الفرنسية كنت أسأل نفسي و أنا أتأملهم كيف تعلموا الفرنسية وهم صغار مثلي
نور الدين الطفل الصغير يتعذر عليه فهم الأسباب الحقيقية لهذه الفوارق الاجتماعية ، لكن كنت كلما لما أشاهد الأطفال بصحبة آبائهم أثناء خروجنا من المدرسة أسأل نفسي لماذا آبائهم ليسوا شهداء مثل أبي ؟كنت الوحيد  الذي   يعود إلى منزل عمته   وحيدا بدون  صحبة أب بدون أن يمسكني أبي من يدي
كنت أبكي لحالي و لما أعود إلى المنزل كثيرا ما كانت تسألني والدتي وعمتني عن سبب البكاء وفي كل مرة أنكر أني بكيت رغم الدموع واحمرار العينين .
 رغم تفوقي في الدراسة لم اندمج مع محيطي  الجديد، بدأت اشعر بمعاملة خاصة من  معلمتي  الفرنسية  مدام بيرو ،لا زلت اذكرها إلى اليوم ، كما لازلت  أذكر ملامحها كأنها  تقف أمامي  كانت طويل القامة  ممشوقة القوام شعرها  حالك السواد  لا ينافسه في سواده  إلا عينيها  ورموشها الطويلة كيف أنسى  معلمتي التي رافقتني كامل المرحلة  الابتدائية 
كنت دائما أسأل نفس لماذا تهتمي بي بشكل خاص ولماذا عندما تنادي على التلاميذ تتوقف عند   أسمي ثم تنظر في دفتر المناداة. يبدو أنها كانت بعدما تقرأ الاسم و اللقب تتوقف عند خانة وظيفة الأب ما جعلها تتعاطف معي .
 كانت المدرسة على الطريقة الفرنسية شكلا ومتنا بناية المعلمين جزء تكويمي للمدرسة كانت معلمتي من حين إلى آخر تصحبني معها إلى بيتها كانت تعاملني بنفس صرامة وجدية  المدرسة  فقط كانت تمسكني من خدي  عندما اخطي في اللغة الفرنسية. .تعلمت كيف   أغسل يدي قبل الأكل، تعلمت كيف  أجلس وكيف أمسك الشوكة والسكين  وكيف امسك   قطعة الخبر  وكيف أغسل يدي بعد الأكل  كل ذلك كانت تحت   رعايتها" السامية"  
 تلك العناية الخاصة لا أعلم سببها الحقيقي هل يعود ذلك كون معلمتي ليس لها أولاد أم يعود إلى كوني ابن شهيد لأن الكثير من الفرنسيين الذي بقوا في   الجزائر بعد الاستقلال إما كانوا متعاطفين مع الثورة الجزائرية أو مشاركين فيها
كان مسيو بيرو حاد الطبع  طويل القامة  كما كانت لحيته الكثيفة  تخيفنا  لم يكن محبوبا في المدرسة كما كان لا يرتاح إلى وجودي  قي بيته كانت مدام بيرو لا تتعاطى  معه وكأنه غريب  يبدو  أنهما كانا على خلاف. ظلت  مدام بيرو  ترعاني  مثل ولدها تماما ،وظل مسيو  بيرو لا يرتاج إلى وجودي في بيته
مع   مرور الزمن و سنة إلى سنة  كبر الطفل نور الدين  وكبرت عناية مدام بيرو التي ظلت تعاملني  مثل ولدها إلى آخر لقاء بيننا في نهاية المرحلة الابتدائية كما ظل مسيو بيرو  لا يرتاح لوجودي
 في هذه الأثناء دخلني إحساس مزدوج :الأول تجاه مسيو بيرو  الذي كرهته بشكل كبير كما شعرت بقرب كبير تجاه  معلمتي وكأنها منافسة بيني وبينه . بعد نجاحي في امتحان  السنة السادة ابتدائي وانتقالي إلى الثانوية خارج العاصمة انقطعت الصلة بيني وبين معلمتي .
 كانت الحافلة تقطع المسافات وتلتهم الأرض وأنا منكب على الراوية التهم صفحاتها .
كانت مغامرات مصطفى سعيد تشدني وتذكرني بمعلمتي الفرنسية. لا أعلم أوجه الشبه بين مغامرات مصطفى سعيد النسائية ومعلمتي التي كانت تعاملني مثل ولدها، هل كنت أحمل لها حبا دفينا جعلني مصطفى سعيد أبوح به.
لم تهيمن  علي  شخصية أدبية  وتستغرقني مثلما استغرقرتني شخصية مصطفى سعيد . لقد قرأت   الرواية عدة مرات، وأنا تلميذ  في نهاية  المرحلة الثانوية  وأنا طالب في الجامعة
لما وصلتي رسالة وزارة التعليم العالي تخبرني بترشيحي لبعثة دراسية إلى فرنسا، وأنا اقرأ الرسالة تذكرت مصطفى سعيد ،تذكرت انتقام مصطفى سعيد ،تذكرت كيف كان مصطفى سعيد يذل   الاستعمار القديم داخل فراشه .كنت أقول " أنا جاي " يا بنات فرنسا، لكني أنا نورا لدين وليس  مصطفى سعيد، بيتي لن يكون وكرا للأكاذيب التي بناها مصطفى سعيد أكذوبة أكذوبة   لن  أرضي فضلوكم وغروكم وتكبركم، لن  انقل لكم الشرق  إلى الغرب، لن أفرش بيتي مثلما  فرشها مصطفى سعيد ب: الصندل و الند و ريش النعام وتماثيل العاج و الأبنوس و الصور والرسوم لغابات النخيل على شطآن  النيل وقوافل من الجمال تخب السير على كثبان الرمل على حدود اليمن  .
كانت المرة  الأولى في حياتي  تقف في وجهي والدتي الحاجة  خديجة بصرامة وحدة لم أعهدها منها من قبل ولاهي من طبعها عندما رفضت وبشكل حاسم التوجه إلى فرنسا
لما أقلعت بي الطائرة  نحو المشرق العربي وليس الغرب  وأنا شاب في بداية العشرينيات لم تكن الحاجة خديجة تعلم  أنها  عدلت عنوان" موسم الهجرة إلى الشمال" إلى موسم الهجرة إلى الجنوب  وأنقذت وحيدها من أن يتحول إلى مصطفى سعيد آخر