vendredi 25 novembre 2011

عزمي بشارة ومكر التاريخ


المفكر عزمي بشارة اختفى فجأة بعدما ملأ الدنيا وشغل الناس بمداخلاته  و استخلاصاته على قناة الجزيرة حول الثورات العربية ، هل كان اختفاء فرضته ظروف خاصة؟ أم  تطور الأحداث  وما نتج عنها من تعقيدات جعلته  يخشى المغامرة  بمواقف وأراء قد تحسب عليه، في مشهد عربي شديد الالتباس وغير مضمون النتائج بسبب تدخل العامل الخارجي الذي زاده إرباكا وضبابية.
إن من تابع إسهاماته الفكرية  أو مداخلاته  على قناة الجزيرة حول الثورات العربية  يجده واضحا ودقيقا  ويتحدث بانسيابية  وطلاقة وتدفق لغوي يكشف عن انسجام وتطابق أفكاره  ومفرداته مع الواقع  العربي الجديد  الذي دشنته  الثورة في تونس و أخذت إبعادها مع الثورة في مصر.  التي كشفت مساراتها عن توافق كبير عما أفصح عنه في مجمل إنتاجه وبشكل خاص في كتابه الأخير "في المسألة العربية:  مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.   الذي يتمحور كله حول مسألة مركزية أرّقت  العرب و فكرهم وهي، علاقة  الديمقراطية  بالمسألة الوطنية   التي لن تتحقق دون" مشروع وطني و" أجندة" وطنية وثروات العرب للعرب و رفض التدخل العسكري و الوجود الأجنبي " وهي الخلاصة التي انتهى إليها الكاتب بعدما وضع لها ترتيبات نظرية و منهجية وشحذ لها جميع معارفه  النظرية عبر ما يزيد عن 300 صفحة وعلى مدى  عشرة فصول .
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه لقد جاءت أحداث ليبيا عكس ما تشتهيه أفكاره وتنظيراته و"مخططه" الفكري. لهذا بدا عليه الارتباك وهو يحلل الوضع في ليبيا، بين ضرورة التغير ورفض التدخل الخارجي. وتعمق الارتباك أكثر حد التلعثم مع المسألة السورية التي أفقدته سلاسة الحديث وانسيابية الفكر وفصاحة اللسان لأن  المسألة السورية منذ بدايتها لم تكن بعيدة عن مثيلتها الليبية .
إن  إشكالية  العامل الخارجي الذي أفصحت عنه الحالة الليبية  ليست موقفا خاصا بهذا المفكر أو ذاك ، إنما هي سمة مشتركة بين جميع  المهتمين ، يمينا ويسارا، بقضايا الفكر العربي ، وهذه المسألة تجد صيغتها المثلى مع اليسار الجزائري ،فمن يتابع الصحافة الناطقة  بالفرنسية و يتابع إسهامات بعض الأقلام  المحسوبة تاريخيا  على اليسار، يجدها تلتقي عند نقطة واحدة و وحيدة ،العداء الصارخ للربيع العربي .وبنفس منطق وأدوات التحليل التي تعود إلى حقبة ماضية .
لكن في حقيقة الأمر إن أزمة  الفكر العربي بدأت  تلوح في الأفق   في منتصف التسعينيات  مع ظاهرة العولمة والتغيرات البنيوية  العالمية . تمثلت في  سقوط السرديات  الكبرى: الماركسية سقط حاملها  الاجتماعي  فلم يعد واردا الحديث عن دور الطبقة العالمة  في تغير وجه التاريخ ،و اللبرالية  تحولت  إلى وحش في شكلها العولمي ، أما الإسلام السياسي فقد كفّر و هاجر . هذه الوضعية  العالمية  المستجدة  عرّت الفكر العربي الذي كان يقتات من فتات تلك السرديات الكبرى ، و أربكته وجعلته يقف في مفترق الطرق يواجه مأزقا بنيويا شاملا .
غير أن الربيع العربي  الذي فاجأ الجميع أعاد "خلط  الأوراق" وأدخلنا في صراعات مصيرية كبرى لا أحد يجرؤ ، مها ذهبت به الأوهام بعيدا حول نفسه ،على تحديد مآلها لأننا في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة أسدلنا الستار عن مرحلة ودشنا أخرى مغايرة تماما،هي جديدة  بدون أدنى شك على مستوي التقدم التاريخي، لكن يسودها الكثير من الغموض  بفعل العالم الخارجي الذي أصبح   محددا  وموجها للعامل الداخلي .
لكن ومها اختلفت وتقابلت التوصيفات حول القادم ،فإننا مقبلون عليه بدون رؤية فكرية ، بدون تصور للمستقبل ،بدون مشروع حضاري .والأخطر من ذلك كله لم يتحدد بعد  الحامل الاجتماعي للمرحلة التاريخية القادمة .وإذا أخذنا بعين الاعتبار تشتت وتبعثر قوى التقدم العربي وضعف عددها و عدتها. فإن القوى التقليدية  هي المرشحة  لاحتلال المواقع الأمامية .  وإذا صحت هذه الفرضية فسنجد أنفسنا أمام ذلك السؤال الخالد، ما العمل ؟  
    
.



vendredi 18 novembre 2011

. .شاهدت علياء عارية





                                                                                      
 في مشهد من مسرحية  قديمة بطولة الثنائي فؤاد المهندس وشويكار  باغتت شويكار فؤاد المهندس متلبسا يتفرج على صور  بورنو   فهزأت  منه قائلة : مش عيب عليك  بعد خمسين سنة ولسّ نظري .           
 لكن بعد الضجة التي رافقت صورة الشابة المصرية  وهي عارية بدا لي أن فؤاد المهندس لم يكن وحده  نظري  إنما  الأمة العربية  بكاملها لسّ نظري.                                                                 
 وحتى لا يقع التباس أو تأويل، فأنا لا أناقش هل يجوز أو لا يجوز للشابة علياء أن تظهر أو لا تظهر عارية  لأن ذلك يعد حكم معياري .كما يعد شأن خاص  لأن الجسد ملك لصاحبه ولا سلطة لأحد عليه  إلا صاحبه ، يتصرف فيه ويتمتع به كما يشاء  وكيفما يشاء و بأي طريقة يشاء ويمنحه لم يشاء و يمنعه عمن  يشاء .                                                                                                            
 لكن بعدما شاهد  الصورة تساءلت مع نفسي ما هو الجديد الذي قدمته بموقفها ذلك ،وما هي الرسالة التي تريد أن توصلها لنا .ومن الآخر كما يقول الأشقاء في مصر، لم أجد جديدا في موقفها و لا إبداعا في صورتها ولا قيمة لتصرفها ولا مضمون لرسالتها.                                                          
 إن ما أقدمت عليه قديم بكل المعايير فهو ينتمي إلى القرن التاسع عشر منذ انتصار مشروع الحداثة  الذي جعل الإنسان حور الكون و القيمة المطلقة في الوجود  بعدما رفع عنه جميع ألوان وأنواع الاستلاب   وتجلياته المختلفة . ولقد عكس الأدب و الفن في القرن التاسع عشر صورة الإنسان الجديد المتحرر من الماضي وأغلاله                                                                                                  
 وهذا جعلني أقف حارا  أمام نصوص  أدبية عربية نالت شهرة عالمية  لمجرد  كونها أقحمت مشاهد جنسية وشذوذ جنسي مثلما هو الشأن مع رواية عمارة يعقوبيان و رواية  شيكاغو.
 لقد فتشت عن الجانب الإبداعي فلم أجد إلا محاكاة لقيم أنجزتها القرون الماضية الأوربية والعربية على السواء .
لقد تناولها منذ القرن التاسع عشر نص روائي  كلاسيكي مؤسس " مادام بوفاري"  الذي اتهم صاحبه  فلوبير   وحوكم بتهمة  نشر الرذيلة  والتعدي على الدين و التقاليد  وقيم المجتمع  و الأخلاق العامة كما نجدها في  نصوص فقيه مثل الشيخ السيوطي  على سبيل المثال لا الحصر  وهو يفتي في قضية مثل" الغنج " التي يصف فيها العلاقة   الحميمية  الخاصة جدا ويصف حركاتها ومفرداتها   تكشف أن اللاحقين من الكتاب لم يضيفوا جديدا .
 لهذا دائما أشبّه الإبداع  بالموت الذي يأتي للإنسان مرة واحدة وليس مرتين ،كذلك شأن  الإبداع في الموضوع الواحد يكون مرة واحدة وليس مرتين . الطائرة اخترعت مرة واحد وما تلاها هو محاكاة وتحسين وتطوير، لكن بالتأكيد ليس إبداعا .وهذا ينسحب على موضوع الجنس حتى لو اجتمعت النصوص و الصور فلن تضيف له جديدا ،و لن ترقى مجتمعة،مهما بلغت دقة الوصف،إلى لقطة واحدة أو مشهد واحد  من فيلم بورنو.  الذي يجمع كل الباحثين أن نسبة مشاهدتها في الوطن العربي هي أعلى نسبة بين الأمم.كما أن نسبة الدعارة هي الأخرى منتشرة وبشكل ملفت .وهناك ظاهرة أخرى منتشرة وبشكل كثيف  في أوساط الطبقة الوسطى وهي ظاهرة العشيقة  التي أسهمت في  انتشارها  ظاهرة  العنوسة وهي بالملايين في الوطن العربي.  مما يجيز القول أن  هناك "بحبوحة " ولا  يوجد شح  أو"ندرة "في المسألة الجنسية .
هنا ينشأ سؤال جوهري يقول إذن  لماذا هذه الضجة الكبيرة  حول علياء وأين هي صورتها بين تلك الصور  الجنسية  المنتشرة في أرجاء الوطن العربي  وأمام هذا المشهد الجنسي العربي.
 الجواب في تقدير  وكما يبدو لي سهل وبسيط وبديهي يقول  أن تلك الشابة العربيةأعادت ترتيب  ذلك النداء  الموجود عند كل  إنسان فينا، نداء الجسد ، ونداء المجتمع .
 كل إنسان عربي  يحمل بداخله  ندائين ، نداء الجسد  ونداء   المجتمع ، البعض منا يستسلم لنداء المجتمع  ويمارس سراء  نداء الجسد وما يترتب عنه من  مظاهر عفة زائفة وسلوك مغشوش وخداع الذات قبل الآخر .و البعض الأخر ،وهو قليل ونادر ومنه علياء، يلبي نداء الجسد ويحقق ذاته ولا يلتفت لضجيج للمجتمع واكراهاته التي لا تنتهي و لا تتوقف ولا تعرف حدودا .
وقيل لي والعهدة على  المتفلسفين  أن  مشروع الحداثة لم يبدأ مع كانط ، إنما من لحظة تأكيد  الذات مع  ديكارت  الذي قال ، أنا  أفكر إذن أنا موجود .وفي رواية فلسفية  أخرى  ،أكدت وزادت وقالت أن الحداثة استكملت  أبعادها مع  الفلسفة  الوجودية  التي ترى جوهر الوجود ، الحرية التي تؤكد نفسها في مقابل " الآخرين "  الذين قال عنهم  سارتر " الآخرون هم  الجحيم .
.


mercredi 16 novembre 2011

بشار الأسد: إنه داخل المعتقل



هذه فقرة  من مقال نشرته يوم 30 جانفي 2001 بجريدة الخبر الأسبوعي  لكن بعنوان مغاير، كان ذلك قبل سقوط بغداد وتداعياته المختلفة، ذلك  كان بمناسبة صدور  ما سمى  آنذاك ، بيان الألف مثقف سوري، طالبوا  بجملة من الإصلاحات . و ذلك بعد خطاب التنصيب ،أو ما يسمى في سوريا ، خطاب القسم "  الذي وعد فيه  بشار الأسد   الشعب السوري  بإصلاحات وانفتاح ديمقراطي .

" إذا كان من المتعذر التكهن بالمرحلة القادمة في سوريا و المنطقة بأكملها  ،فإن الأفكار المتضمنة في البيان ،رغم رنينها  النقدي لا يمكن عزله عن تصور شامل مقترح للمنطقة يلعب فيه العامل الخارجي دورا مؤثرا . وإذ لا  نذهب إلى حد اعتبار البيان يلبي احتياجا خارجيا أكثر منه داخليا ،غير أنه لا يجوز أن  تذهب بنا الأوهام بعيدا إلى حد   الحديث  عن انفتاح ديمقراطي حقيقي وانفتاح على الشعب السوري الشقيق الذي طالت محنته . وحتى إذا كان بشار الأسد ، الذي تكلم  أمام مؤتمر القمة العربية بلغة جديدة وقوية فيها الكثير من الصدق، يملك نية صادقة في التغيير بوصفه شابا متعلما  من مرحلة جديدة وقيم جديدة .
لكن هل تسمح له القوى التي جاءت به وعدّلت الدستور على مقاسه في ربع ساعة أن ينقلب عليها ، هل يصلح بشار الأسد ما أفسده الدهر ويقوم بمصالحة تاريخية  صادقة تعيد لسوريا دورها الريادي  وتستكمل بناء رسالة العرب الخالدة ، الوحدة و التقدم ، أم أنها الطائفة  في ثوب جديد وحلة جديدة ناتجة عن أملاءات خارجية من أجل ترتيبات جدية تقبل عليها المنطقة ."
 هذا الكلام قلته قبل عشر سنوات ولقد تسبب لي في مشاكل لا داعي للخوض فيها كان  ذلك  بعد رد السفارة السورية في نفس الجريدة  وفي نفس الصفحة ،  رغم   أن السفارة وافقتني في الكثير مما   جاء في المقال  الذي احتل صفحة كاملة  لما كان يرأس تحريرها الصديق عبد العزيز بوباكير  ولازلت احتفظ  بالمقال  و رد السفارة السورية  التي أوصت  بإدراج اسمي ضمن قائمة  المغضوب عليهم.
 و اليوم  إذا كان لا بد من إضافة شيئا جديدا على المقال القديم ، فيكون شرح ما قلته آنذاك  اليوم سوريا رهينة  طائفة وليس طبقة  وبشار الأسد نفسه عاجز أمام أبناء الطائفة  الذين يهيمنون على المليشيات المسلحة وهي بمئات الآلاف . ولهذا كان صادقا ،سواء قصد أو لم يقصد، لما قال سوريا ليست مصر لأن مصر كان يهيمن عليها نظام سياسي له حزب يمثل طبقة اجتماعية،  بينما سوريا يخطي من يعتقد آن حزب البعث يحكم  ولا حتى الجيش، إنما هي مليشيات علوية مسلحة، تارة باسم الجيش و أخرى  باسم الشبيحة  والحل، إما يكون من عقلاء الطائفة  الذين يسبقون المصلحة الوطنية على المصلحة الطائفية ، وإذا تعذر ذلك  فإن الحرب الطائفية  آتية لا ريب فيها  ، وفي هذه الحالة يصبح التدخل الخارجي  الحل  الأمثل

dimanche 6 novembre 2011

تحية إلى برهان غليون وطيب تيزيني



                                                  
           



                                                   
أول لقاء لي بالمفكر برهان غليون كان في نهاية السبعينيات  مع كتابه " المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات" في إطار بحث بإشراف الدكتور عبد المجيد مزيان رحمه  الله . أما اللقاء الثاني  فكان مع كرّاسه "بيان من أجل الديمقراطية" الذي أثار سجالاصامتا في أوساط النخبة السورية،و المقصود بصامت لم يكن  على أعمدة  الصحف، إنما ضمن الحلقات الضيقة .                                                                 
 ومن ضمن الملاحظات التي جاءت  من طرف اليسار السوري كانت عن النزعة الشعبوية التي هيمنت على الكراس الذي طوره لاحقا وصدر في شكل كتاب.  أما اللقاء الثالث فكان مع كتاب " اغتيال العقل "الذي وزّع سرا في سوريا. لأن "كابران " الرقابة يبدو لم تعجبه مفردة  جاءت في الكتاب،  تتحدث عن الأقلية السياسية  والأكثرية السياسية، في الحقيقة كان تعبيرا ناعما عن الوضع الطائفي  داخل سوريا الذي لم يكن غائبا عن فكره وظل يوجهه منذ كتابه المبكر "  المسألة الطائفية " الذي أتينا على ذكره.  ثم توالت اللقاءات في كتبه المختلفة .  إلى أن جمعنا لقاء في الجزائر في بداية التسعينيات في سهرة طويلة، امتدت حتى مطلع الفجر ،بحضور الصديق محمد التين ،لما كان مناضلا يساريا، قبل أن يصبح سيناتورا ،كما كان حاضرا  الكاتب رشيد  بوجدرة .                                                                               
 ذلك اللقاء كان في بيت الصديق  الدكتور جمال لعبيدي  القيادي السابق في حزب الطليعة الاشتراكية  وأستاذ علم الاجتماع بجامعة  الجزائر، الذي تجمعه صداقة متينة تعود  إلى منتصف السبعينيات  لما كان برهان غليون أستاذا لعلم الاجتماع   بجامعة الجزائر قادما  إليها من باريس .                                .                                  
إذا كان من المتعذر اختزال أي مفكر، في فقرة أو فقرتين، لكن يمكن التقاط الفكرة أو مجموعة الأفكار المحورية التي توجه تفكيره . وفي حالة المفكر برهان غليون لا نبذل كثير  عناء  كي نتوقف  عند  القضية  المركزية التي اتكأ عليها في مجمل  إنتاجه الفكري الذي يتمحورحول المسألة الديمقراطية في الوطن العربي ومرتكزاتها و تداعياته  المختلفة                                                                             
 ما يميز مسار غليون الفكري دخوله المسألة الديمقراطية من  النافذة  الطائفية كواقع ملموس يصعب تجاهله، قادته لاحقا إلى  تناول جملة من المسائل  ذات صلة  بالموضوع  انتهت إلى  إشكالية الدولة الوطنية و المعوقات التي حالت دون بلوغ أهدافها الوطنية ثم  كيف تحولت لاحقا إلى عطالة سياسية، أو كما أطلق عليها الدولة ضد الأمة  في كتابه الموسوم " المحنة العربية  الدولة ضد الأمة" صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية  2003  " هذا الكتاب يعد بمعنى من المعاني  ذروة تفكيره كما يمثل موقفا فكريا من الدولة العربية الراهنة . وهو نفس الموقف الذي انتهى إليه المفكر طيب تيزيني في كتابه  الموسوم" بيان في النهضة و التنوير العربي "  الصادر عن دار الفارابي  2005  .لكن المفكر طيب تيزيني أضاف مسألة أخرى  على غاية من الأهمية  و الحساسية  فهو لم يتوقف عند حدود العام ، إنما  قام بتوصيف طبيعة هذه الدولة لمّا ميز بين  الدولة  البوليسية   و الدولة الأمنية  ،  الأولى  تكون عادة ضد خصومها  السياسيين : حزبيين  ومناضلين و نقابات عمالية و مثقفين معارضين .  أما الثانية الأمنية  فتكون ضد  المجتمع  بكل مكوناته،  وتجابهه بآليات متنوعة من ضمنها ، إلغاء الفعل  السياسي و الفعل الثقافي الذي يؤدي إلى تفكيك المجتمع السياسي  وبقايا المجتمع المدني وتحويل الفساد إلى إفساد قصدي ،وإفساد من لم يفسد بعد عبر ما لا يحصى من وسائل اللصوصية و الرشوة و التفكيك المؤسساتي و الإفساد القضائي و التدمير التعليمي ونشر الدعارة .                   
وإذ يظل طيب تيزيني أكثر عمقا وشمولية، إلا أن غليون كان سباقا  في تناول المسألة الديمقراطية في سياق تاريخي كانت غير مستساغة  من كل  الأطراف ، الأنظمة العربية تراها تهديدا لوجودها ، و اليسار العربي يرى فيها نزعة نحو الليبرالية  تقود إلى  الاعتراف بالمجتمع الطبقي. في وقت كان يرفع شعارات تتحدث عن  تحالف العمال و الفلاحين   والمثقفين الثوريين  وسائر الكادحين. أما الإسلاميون  فكانوا  يعدونها كفرا بواحا  وسيظلون كذلك طالما لا يزال  الخلط بين الديني والدنيوي.                                                
لقد ظل  برهام غليون  و طيب تيزيني   يغردان خارج السرب ، لكن لم يستسلما ولم ييأسا  وظلا يحلقان  بجناحين قويين في سماء أمة  العرب يبشران بالقادم  الأفضل . ولما جاء  الربيع  العربي، بكل تعقيداته وملابساته ، انخرطا فيه  لأنمها كانا سباقين  في وضع لبنته ا الأولى  في التأسيس له نظريا  وممارسته عمليا . لهذا ليس صدفة أن نراهما في  طليعة  الفعل الثوري .
  في المنفى  كان برهان غليون يفضح ممارسات النظام  ولم يأبه للتهديدات بالتصفية الجسدية  التي كانت تصله من أجهزة المخابرات السورية .و في الداخل كان طيب تيزيني يقارع نظاما مستبدا  ويوقع  البيانات و يتصدر المظاهرات ، وظل صامدا ثابتا لمّا تعرضت له المخابرات السورية أثناء مظاهرة في مدينة حمص و الاعتداء عليه وسحله في الشارع ورفسه على ظهره يعدها خبطوا رأسه على عمود كهربائي ولم يحترموا لا علمه ولا سنه الذي تجاوز 75 سنة.     
لهذا ننحني لكما احتراما  وتقديرا وإجلالا وإكبارا.وحتما  راحلون أولئك  القادمون من خرائب التاريخ، وحتما سيصبحون جزءا من حطام التاريخ  ،وحتما ستطل  علينا نجمة الصبح  البهية ، سمراء عربية ،وسنحميها هذه  المرة بحكمة واقتدار .  
           

jeudi 3 novembre 2011

طز في مصر





لولا حضور الدكتور عمار علي حسن لما استطعت مواصلة الاستماع لحوار الجزيرة حول الحالة المصرية الذي حضره العقيد آمنة النقاش نائبة رئيس أركان التجمع  و السيد البلتاجي الذي يعيد نفس الجمل. ونفس العبارات والمفردات. أما الشاب غزالي حرب فكان يمثل  الجيل الجديد   الذي ناضل بالفيس بوك ولم يتمرس على النضال السري  و توزيع المناشير تحت "البالطو "  لهذا ضاع بين   الرفيقة  القديمة والشيخ  المعتق .
لقد كان الدكتور عمار على حسن دقيقا في تحليله للحالة المصرية، كما كان محقا في مقارنته بين التجربة الجزائرية التي يمكن أن تستنسخ في مصر بشيء من النعومة كما قال. وهذه  تعد ملاحظة على غاية من الأهمية والحساسية و الخطورة  وهناك مؤشرات بدأت تلوح في الأفق تؤكد توجساته   ويشاركه في ذلك الكثير من النخبة المصرية . 
إن ما  تقوم به الآن المؤسسة العسكرية في مصر  بخاصة بعد الانقلاب على الإعلان الدستوري  هو نفس الدرب و نفس  الخطى  ونفس الأسلوب ونفس السيناريو ويبدو انه سيكون نفس الإخراج الذي قام به  العسكر في الجزائر  قبل توقيف المسار  الانتخابي ، فقد   جمع حوله نخبا وأحزابا وجمعيات و الكثير من "النسوان " يشبهون تماما  آمنة النقاش شكلا ومضمونا ، وما سمعته اليوم على لسانها  على قناة الجزيرة يؤكد بوضوح  أنها  لم تكن تتحدث باسم حزب التجمع   إنما كانت ناطقة باسم المؤسسة العسكرية .
  أما المسألة   ذات الأهمية القصوى التي  أثارها الدكتور عمار علي حسن ، التي يجب أن يتوقف عندها الجميع هي غياب  مفهمو الدولة الوطنية عند التيار  الديني  وللتوضيح أكثر   فهذا التيار لا يوجد في تفكيره أو أدبياته مفهوم  الدولة  "  La notion d'état" لأن  الإسلام عبر تاريخه عرف دولة الخلافة  وهي تختلف شكلا  ومضمنا عن مفهوم  الدولة العصرية  التي هي  من نتائج  الحداثة.
لهذا ليس صدفة أن تتشابه حد التطابق تصريحات زعيم الجبهة الإسلامية عباسي مدتي قبيل الانتخابات في مطلع التسعينيات في الجزائر مع تصريحات  المرشد السابق   للإخوان مهدي عاكف أثناء الثورة في مصر ، عباسي مدني قال إذا غادرت النخبة  العلمانية  الجزائر سنستعين بمليون إيراني يحل محلهم في الإدارة، هكذا صرح  وكأن الجزائر شركة متعددة الجنسيات وليست دولة . أما السيد  مهدي عاكف  فقال  لا مانع أن يكون رئيس مصر من ماليزيا .وكأن مصر وكالة بلا بواب   كما يقول الأشقاء  في مصر .  ولما استهجن الناس هذا التصريح قال قولته الشهيرة "  طز في مصر ".



"

mardi 1 novembre 2011

مصر : هل يقودها حزب الترامادول




أتمنى ألا يغضب مني الأصدقاء  في الشقيقة مصر ،فهو مجرد تعبير  رمزي متأثر بمثل عندهم يقول " المكتوب يقرأ من عنوانه"و أنا أقول  أن الكثير من المقالات تتوقف قراءتها على صياغة عناوينها، قد تجد مقالا مضمونه جيدا لكن عنوانه  غير ملفت  فلا يجذب القارئ ،و العكس صحيح فقد تجد عنوانا جذابا لمضمون خفيف جدا لا يقدم معرفة و لا يوفر معلومات ، وقد تجد تطابقا بين هذا وذاك . .
وللأمانة التاريخية فإن مصطلح الترامادول الذي لم أكن عرفه ولازالت ، إلى حد اللحظة ، أجهله عمليا وميدانيا ، أول من ادخل هذا المصطلح الطبي إلى الحياة السياسية و الإعلامية  في مصر،مناضلة وناشطة سياسية. كانت تصف به، تهكما ،  قوى سياسية في مصر.
أما ما جعلني اخلص إلى هذا الرأي هو موقف  الكاتب الكبير هيكل  في قراءته للمشهد السياسي المصري حيث قال على قناة الجزيرة   و"بالفم المليان"  ،  أن الدولة الدينية خط أحمر بالنسبة للغرب، لا يسمح بتجاوزه و الاقتراب منه. وهذا الخط الأحمر شرحه بالتفصيل قي لقاء جمع  هيكل بقيادات الإخوان من ضمنهم أبو الفتوح وعصام العريان . ولما أراد الصحفي التونسي أن يتأكد أكثر بإشارته إلى نجاح النهضة في تونس و تهنئة وترحيب  الاتحاد الأوروبي، هنا لجأ هيكل إلى تحديد طبيعة الاختلاف بين الإسلام التونسي والإسلام المصري هذا الأخير يراه غير  مهيأ حاليا ليلعب دورا سياسيا مهما في مصر الراهنة  لأنه ،كما قال لا يعرف معنى الحرية و لا الديمقراطية بسبب الظروف التاريخية التي مر بها  جعلته  يعمل تحت الأرض  ضمن مناخ العمل السري  والنشاطات  السرية و الاغتيالات السياسية  التي شكلت ولا تزال  ذهنية الإخوان .                       
إن ما يعنينا ليس المقدمة الفكرية التي وضعها هيكل ،إنما النتيجة السياسية التي انتهى إليها  وهو لم يتعود ولم يعرف عنه الهذيان ولا إطلاق الكلام على عواهنه.لهذا لما ينتهي إلى هذا الحكم ، ومن أعلى منبر عربي ،وفي هذه اللحظة من حياة مصر السياسية. ذلك يعد  رسالة  واضحة للإخوان . وللعسكر معا يحذرهم من نتائج تحالف مرتقب .و ما تجب الإشارة إليه أن قطاعا واسعا من النخبة المصرية تتوجس من هذا التحالف المحتمل نابع  من تواجد جناح قوي جدا متدينا داخل المؤسسة العسكرية ليس ببعيد عن فكر الإخوان.وما اختيار الكاتب و المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري من طرف العسكر على رأس لجنة صياغة الإعلان الدستوري إلا مؤشرا لهذا التوجه.
  .إذا صحت هذه الفرضية وانفرط العقد بين المؤسسة العسكرية و الجماعة،  واستبعدنا أيضا التجمعات  النخبوية العلمانية  و اليسارية الضعيفة العدة و العدد .فلا يبقى إلا حزب الوفد لصاحبه رجل الأعمال السيد البدوي  تاجر الأدوية  الذي لا يذكر اسمه في مصر إلا وهو مقرون بعلب  الترامادول. إذا وصل هذا الحزب إلى الحكم ،فهذا يعني أن الوطنية المصرية  تعاني مشاكل جدية في فحولتها .