dimanche 11 décembre 2011

نجيب محفوظ: يُطعن ثانية


 اليوم  الذكرى  المئوية  لميلاد  نجيب  محفوظ . و الإسلام أوصانا وحثنا  على ذكر محاسن موتانا. لكن أحد مشايخ الإسلام في هذا الزمن الأغبر استغل مئوية الأديب العالمي نجيب محفوظ وأشبعه سبا وشتما وقدحا. هكذا طبق الشيخ تعاليم  الإسلام  واحتفى بنجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل  ومفخرة مصر والعرب ،الذي ارتقى بالثقافة العربية والأدب العربي والفكر العربي إلى العالمية .            
   لكن الشيخ معذور فيما انتهى إليه من أحكام،  لأنه سلفي، التي تعني، فيما تعني، أنه كائن تراثي مقطوع الصلة بالعصر و بالعقل والعلم و العالمية.  و هذا ليس استخلاصا أو نتيجة، أو " تبلي" إنما هي مسألة معرفية وجزء من بنية الفكر السلفي الذي يرى أن، مستقبلنا في ماضينا.و هذه العبارة تلخص وتكثف جوهر الفكر السلفي. الذي له ترجمة على مستوى فلسفة التاريخ  وفكرة التقدم بالذات
 وبعبارات  تبسيطية  ،التيار السلفي  يرى أننا نحن العرب لا نتقدم ،إنما نتأخر لأننا نبتعد عن  النموذج الأصلي و هو  السلف الصالح .أما التقدم بالنسبة إليه هو العودة إلى الوراء ، إلى الخلف، إلى النموذج الصافي النقي،  فكلما اقتربنا منه كلما  تقدمنا أكثر. وكلما ابتعدنا  عنه دخلنا في الجاهلية و الردة .
هذه الخلفية الفكرية هي التي كانت وراء تكفير  المجتمعات  العربية  المعاصرة  وعدها مرتدة. ومنها استخلص هذا التيار معاني، مثل التكفير و الهجرة و جاهلية القرن العشرين. مما  أوصلتهم حد حمل السلاح في وجه مجتمعاتهم  التي اتهموها  بالردة الجماعية.
  لهذا يعد من الطبيعي جدا أن يعد ذلك الشيخ أدب نجيب محفوظ، كما جاء على لسانه " أدب إلحادي يشجع على الرذيلة و الدعارة و المخدرات" كما يعد طبيعي جدا إعلان الشيخ جهله بأدب نجيب محفوظ لأنه ببساطة أدب جاهلي.وفي حقيقة الأمر هذه ليست "ميزة "الشيخ وحده الذي أعلن جهله  وعدم اطلاعه على أدب نجيب محفوظ ،إنما هي سمة مشتركة بين معظم من يصفون أنفسهم بالإسلاميين في علاقتهم مع المختلف ، فهم يكفرونه و لا يناقشونه . و الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
تعود محنة نجيب محفوظ مع الإسلاميين  إلى روايته أولاد حارتنا التي قيل لهم أنها تتهجم على الذات الإلهية، بينما  من اطلع عليها  يجدها بعيدة كل البعد  ولا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد ،لا بالذات الإلهية ولا بالصفات ، إنما تتناول مسألة أخرى ،مسألة فلسفية، وهي علاقة العلم بالإيمان،  التي حسمها التاريخ العالمي  ولم تعد مطروحة على بساط البحث إلا عند الشعوب التي لازلت  تعيش تخلفا تاريخيا ،لهذا تناولها  نجيب محفوظ  في إحدى مراحل حياته الفكرية  وشكلت الخلفية الفكرية لروايته لأنه قبل أن  يكون أديبا فهو خريج قسم الفلسفة .
و علاقة العلم بالإيمان التي تقوم عليها الرواية.  ليست مسألة فلسفية  تأملية ،لها تداعيات في مقدمتها المصير الإنساني الذي يتحدد على ضوء هذه العلاقة ، فحينما يخضع العلم للإيمان، أو ينتصر العلم على الأيمان تتغير معها  مصائر البشر  كما تتغير نظرتهم للعالم  و للكون ولعلاقة الإنسان بالإنسان ويتغير معها مفهوم السعادة
 وهذه المسألة  هي  التي تناولتها رواية  أولاد حارتنا  التي أرادت أن تكشف لنا  أنه لما يخضع العلم  للإيمان يصبح الله هو محور الكون  وتصبح معه  السعادة هي ابتغاء مرضاة الله،  وتاليا يفقد الإنسان السيطرة على مصيره . أما لما ينتصر العلم على الإيمان يتغير مصير  الإنسان ويصبح سيد مصيره ، رغم ما ينتاب  هذا المصير من قلق وتوتر وأحيانا  الكثير من الخوف ،لكن  لذة الانتصار تعيد للإنسان إنسانيته وتمنحه الشعور بالتفوق  وتحقيق  الذات و التحكم في المصير .   
 ويعود هجوم الإسلاميين على الرواية إلى هذه المسألة تحديدا لما انتصر نجيب محفوظ للعلم و العقل والمعرفة   و للإرادة الإنسانية
 هذه هي الخلفية الفلسفية لرواية أولاد حارتنا التي تجلت في شخصيات  ومواقف ومفارقات واستعارات تاريخية وتراثية  ورموز وأبطال. حلّق بهم نجيب محفوظ في أجواء عالية جدا بجناحين قويين، جناح الأدب وجناح الفلسفة يتعذر كثير على من لا يملكهما أستيعاب فكر وأدب نجيب محفوظ.      
                                                







jeudi 8 décembre 2011

ليس دفاعا عن برهان غليون



                                                                                                    
تصريح برهان غليون للصحافة الأمريكية حول رؤيته  المستقبلية  لسوريا ما بعد نظام الأسد أثارت سجالا واسعا في أوساط النخبة و الرأي العام العربي، كما أثارت وردود فعل مستهجنة . متهمة غليون بتنفيذ أجندة أمريكية  
 ذلك يعود،في تقديري، أن معظم ، إن لم يكن  جميع ،تلك الردود  قد انتزعت جملا من السياق العام والنظرة الإجمالية للمقابلة وجعلتها مقدمات واستخلصت منها نتائج ،صورت برهان غليون وكأنه العدو اللدود للقضية  الفلسطينية و للمقاومة  اللبنانية  ولإيران وللمنطقة بأسرها                                                                                                                                                          
 إن ذلك الاستخلاص، أو تلك القراءة للمقابلة، إن لم تكن  تكشف عنى قصور فكري  و توجيه سياسي، أو تخفي نزعة طائفية، فهي تفتقد للكثير من الاستقامة الأخلاقية.و النزاهة السياسية.  وشرف الكلمة.                                                                                                   برهان غليون في تلك المقابلة تحدث عن مكانة سوريا ، ودور سوريا  ما بعد الأسد، على  الصعيد الإقليمي  و العربي و الدولي ، وكان من الطبيعي أن يتناول العلاقة مع  دول الجوار، لكن في كل ما قاله لم يكن يتحدث باسم مجموعة سياسية  أو سلطة ظرفية، إنما كان يتحدث  بمنطق الدولة العصرية و المصالح العليا لسوريا في المستقبل ومكانتها ضمن المجموعة الدولية ودورها الإقليمي ، منطلقا  من خلفيته الفكرية  فهو أستاذ علم  الاجتماع السياسي  بجامعة السربون  ويدير مركز بحوث  متخصص في الشرق الأوسط  ، كما يعد  صاحب مؤلفات كثيرة  تتركز كلها ،بدون استثناء ،حول المعوقات التي  جعلت حلم بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال يختزل و يتحول على يد العسكر  والطوائف و المليشيات إلى مجرد أجهزة أمنية قمعية  مسنودة  بتحالفات محلية  وإقليمية كرست ودعمت وجودها القمعي.                          لهذا كان من الطبيعي أن يتناول برهان غليون المسألة  برؤية سياسية متقدمة  ومن مستوى  فكري شامل  وعميق 
لم يألفه، وربما لم يستوعبه أصحاب تلك الردود، كما لم يألفه العقل السياسي العربي  المبني على القبيلة و الغنيمة 
و العشيرة . أما حديث برهان  غليون  فكان عن دولة المؤسسات ، وليس المليشيات  والطوائف  و الملل و النحل.                
من هذا المنطلق تحدث عن العلاقة المستقبلية مع إيران ولبنان والقضية لفلسطينية من خلال إعادة ترتيب العلاقات معها بوصفها دولا  ومؤسسات، وليس مجموعات مسلحة ومليشيات ومحاور استقطاب.  ومراكز نفوذ وبؤر توتر.                                                                                                              
لكن  تلك الترتيبات المعلنة كما قال ،تحقيقها مرهون بعودة الجولان ، بل استقرار المنطقة كله مرهون بعودة الأرض المحتلة. وهذا هو جوهر المسألة الوطنية في سوريا ، فلا وطنية و لا شرعية  لأي نظام بدون السيادة الكاملة على ترابه ، وهو ما عبر عنه  غليون بصريح العبارة  للصحافة  الأمريكية   منطلقا من  فهمه لمعنى الدولة الوطنية ، و سوريا التاريخية  التي يريد أن يجعل منها مركزا كما كانت ،وليس ذيلا كما  أصبحت .  
 

                                                  



jeudi 1 décembre 2011

الثورة هي التي حمت الجيش

 

 

جميع الأشقاء في مصر يرددون عبارة، الجيش حمى الثورة، وكأنها آية من القرآن يجب التسليم بها وعدم التشكيك فيها و لا يجوز مناقشتها .مع العلم هي نفس المؤسسة التي أشرفت على اغتصاب الدستور وعدلت مواده وكيفتها وجعلتها على مقاس الوريث . مثلما اغتصب الدستور عندنا وحذفت منه المادة 74 التي تحدد ولاية الرئيس بعهدتين فقط فحولت الجيش من حرّاس الوطن إلى حماة نظام 
ولما قامت الثورة في مصر قال العسكر " تاهت ولقينها " لأن الفئات العليا داخل المؤسسة العسكرية كانت تعلم علم اليقين أن التوريث يعني تصفيتها تحت شعار تشبيب المؤسسة العسكرية و تحديثها وجعلها أكثر احترافية مما يعني قدوم أنصار جمال مبارك .
ذلك ما كانت تؤكده الأخبار القادمة من المحروسة التي كانت تقول أن الوريث بإيعاز من والدته بذل جهودا مضنية من اجل إبعاد القيادات الحالية الموجودة على رأس المجلس العسكري .
لهذا اصطف العسكر وراء الثورة ليس من أجل الثورة، إنما من اجل الإطاحة بالتوريث، وهذه "تفرق" كثيرا بدليل لما تم لهم ذلك وأنجزت الثورة المهمة انقلبوا عليها. ومن هنا نفهم معنى تلك الجملة التي قالها الكاتب الكبير هيكل لما أعلن على قناة الجزيرة، أن العسكر لا يشعرون إنهم انقلبوا على النظام، إنما يرون أنهم استلموا السلطة منه.وهذه أيضا تفرق.
إن جميع الدلائل و المؤشرات تؤكد ذلك وأكبر مؤشر على ذلك ، وثيقة الدكتور السلمي التي هي في حقيقتها صورة طبق الأصل ل"فرمان الشروط" التي كانت تصدر عن الجيش الانكشاري وعسكر المماليك أيام حكم السلاطين العثمانيين . ويبدو أن الدكتور السلمي لم يقم إلا بترجمة " فرمان الشروط " التي تسيء للتاريخ الوطني للمؤسسة العسكرية في مصر ودورها الوطني في تأسيس الدولة المصرية العصرية .
إن تلك الوثيقة تعد بكل المعايير قطيعة مع هذا التاريخ المشرف للجيش المصري منذ أحمد عرابي إلى جمال عبد الناصر و سعد الدين الشاذلي ومن ورائهم أبطال العبور ،فهي تجعل الجيش فوق جميع مؤسسات الدولة وفوق رقبة المجتمع فلا يخضع لا للمحاسبة و لا للمساءلة ولا للمحاكمة . هذه صفات وسمات جيش انكشاري و ليس جيشا وطنيا يخضع للدولة الوطنية و مؤسساتها المنتخبة 
من هنا فإن نضال القوى الوطنية المصرية ضد هذه الوثيقة يجب ألا يقف عند رفضها بوصفها فوق دستورية وغير ديمقراطية . إنما يجب أن يتعداها إلى ما هو أعمق من ذلك ، بوصفها إساءة للوطنية المصرية التي يعد الجيش إحدى مكوناتها.
في تقديري هذا ما يجب أن تبرزه جميع المناقشات وتؤكد عليه وتضعه على رأس السجالات القادمة التي ستحتدم حول وثيقة السلمي بعدما تصطدم مع الدستور . وما يزيد من أهمية التركيز على ذلك كون العسكر في مصر يريد أن يقطع مع هذا التاريخ المشرف و