mercredi 19 février 2014

أنا ومولود حمروش: أو عندما أشار بسبابته إلى "الفوق " وقال

..

كان ذلك في القرن الماضي، نعم في القرن الماضي لما ترشح بوتفليقة إلى الرئاسيات ومعه حسين أية أحمد وعبد الله جاب الله ومقداد سيفي ويوسف الخطيب وأحمد طالب الإبراهيم ومولود حمروش وقد أطلقت عليهم الصحافة آنذاك وصف "الفرسان الستة "
اتصل بي صديق ،وكان من ضمن "ستاف" السيد مولود حمروش، أخبرني أن "سي المولود " يرغب في لقاء جامعيين مستقلين لا انتماء حزبي لهم ،و لقد كلفه بذلك ، وأنه قد اختارني من ضمن مجموعة من الجامعيين المستقلين . .
قلت للصديق مازحا، يبدو أن صاحبك "سي المولود" متأثر ب"الكتاب الأخضر" الذي يقول "من تحزب خان" ،لهذا يرغب في لقاء من لا حزب و لا تحزب لهم .
لم أتردد في الاعتذار للصديق وكان يعلم أنني بعيد كل البعد عن مثل هذه النشاطات السياسية. كما أخبرته أن خضوري قد يسبب له إحراجا لما قد يصدر مني من كلام أو رأي "منفلت" أثناء الحوار .
لكن إلحاح الصديق وإصراره على حضوري جعلني أستجيب لطلبه" مكره أخاك لا بطل"
اللقاء كان في بيته المتواضع جدا ،إلى حد يثير الانتباه ، من شدة تواضعه .لم يكن يختلف عن أي بيت جزائري من الطبقة الوسطى، شكلا ومتنا، مثلا لم نجد فوق الطاولة "بونبونيار" أو زهرية ورد إنما وجدنا فوقها ثلاث "تارموسات" واحدة للقهوة وأخرى للحليب والثالثة للشاي وبجانبهم صينية بداخلها حلويات جزائرية شعبية تتكون من " مقروظ وشاراك" البعض منه مكسي وآخر عريان" أما سلوك وتصرف السيد مولود حمروش فكان سلوكا شعبيا جزائريا خالصا بكل ما تحمل الكلمة من دلالات ثقافية وأخلاقية .
لقد كان هو شخصيا من يتكفل بتقديم المشروبات و الحلويات و ليس زوجته التي لم نرها
استمر اللقاء عدة ساعات كان التركيز على إصلاحاته الاقتصادية. تدخل الزملاء من معهد العلوم السياسية ومن الإعلام حول قضايا مختلفة ،لكن الذي بلى بلاء حسنا ، كما يقال، كان زميلين من كلية الاقتصاد بخاصة أحدهم ،. تحدث بدقة كبيرة عن إصلاحات السيد مولود حمروش أثناء رئاسته للحكومة مبينا الكثير مما شاب تلك الإصلاحات من ثغرات وقدم عدة أمثلة على ذلك.
كنت أتابع الحوار ولم انبس ببنت شفة حتى بدا لي أن السيد حمروش تحرج من صمت هذا الصامت أو" الصامط " الذي لم يفصح عن هويته.
لما اوشك اللقاء على نهايته توجهت إلى السيد مولود حمروش بسؤال واحد، لكن كان لابد من مقدمة على طريقة أساتذة الفلسفة الذين كثيرا ما تستغرقهم المقدمات إلى حد تجعل الناس ينفضون من حولهم ولا يجدون من يحاورنه ولا من يحاورهم .
بعدما شكرته على الضيافة وحسن الاستقبال قلت أن هذا اللقاء يعد نشازا ، يشبه بيضة الديك لأننا في الجزائر لم نتعود على مثل هذه اللقاءات التي تجمع بين الثقافي و السياسي، بل هناك قطيعة حتى لا أقول عداوة بينهما، قاطعني، مؤيدا وموضحا، أنه لما كان على رأس الحكومة "كسّر " هذا التقليد وتعاون مع المثقفين وأسند لهم مهام ومسؤوليات .استعدت الكلمة منه وواصلت حديثي وقلت أن المسألة تاريخية ويبدو لي أن المثقف يتحمل جانبا كبيرا من هذ ا التنافر و العداوة

عدت إلى صلب الموضوع وقلت ،مخاطبا السيد حمروش، أن الزملاء تحدثوا وأبدوا ملاحظات حول الإصلاحات من الداخل ،إن صح التعبير ،لكن هناك جانب آخر وهو أن هذه الإصلاحات سوف تجعلك تصطدم مع قوى لها من القوة و النفوذ ما يجعلها تقف في وجه الإصلاحات وتشكل تهديدا حقيقيا ، وهم طغاة المال و الفاسدون الذين أصبح لهم أحزابا وإعلاما يدافع عنهم وعن مصالحهم كما لهم سند خارجي ،في الوقت الذي تعلن أنك مرشح مستقل بدون حزب قوي يدعمك ولا قوة شعبية منظمة تسندك و تقف إلى جانبك.
وهو ينظر إلي ويستمع بدا لي انه لم يتوقع هذا السؤال ،وما أكد لي ذلك جوابه الذي لم اتوقعه ولم يخطر على بالي، قال بالحرف و هو يشير بسبابته " الفوق أصبحوا يفرقون بين
danger و menace والجزائر اليوم في مرحلة menace ولهذا هم مجبرون على قبول الإصلاحات .
ونحن داخل السيارة متوجهين إلى وسط العاصمة سألني صديقي الذي دعاني إلى اللقاء عن رأيي في اللقاء .قلت له لا أحد ينكر استقامة ونظافة يد السيد حمروش، لكن ما سمعته منه بدا واضحا أنه يغرد خارج السرب ، لأن من أشار إليهم بسبابته ويتنظر منهم الخلاص هم الذين يشرفون على الفساد وهم من يوفرون الحماية للفاسدين، بل هم "الدانجي وهم الموناص ولا يوجد دانجي و لا موناص على الجزائر أكثر منهم".
تذكرت ذلك اللقاء وذلك الحوار مع السيد حمروش و أنا أتابع تصريحاته التي جعلت منها الصحافة اليوم حدثا كبيرا ،أما أنا فقد استخلصت ان السيد حمروش لايزال يشير بسبابته إلى "الفوق 


dimanche 2 février 2014

الوهابية :الوجه البشع لأزمة الوطنية الجزائرية


لا حديث داخل الأوساط الدينية إلا عن الانتشار الرهيب للفكر الوهابي الذي غزى مساجد الجزائر ما جعل وزير الشؤون الدنية يدق ناقوس الخطر ويجند الرأي العام عبر وسائل الأعلام ضد الخطر الداهم الذي يمثله هذا الوافد الدخيل على إسلامنا وتقاليدنا الموروثة و المكرسة تاريخيا .وذهب وزير الشؤون الدينية إلى حد الدعوة إلى" إسلام طني"
ومن أجل تحقيق هذه الغاية تم تنصيب  ما يشبه قيادة أركان حرب وأعلنت حالة الطواري واستدعت  وزارة الشؤون الدينية علمائها على عجل ورسمت استراتيجية  من أجل الاختراق والتصدي  ومواجهة الإسلام الغازي ، أسفر ذلك عن تأليف مجموعة من الكراريس للرد على الإسلام و الوهابي حملت عناوين ملفتة مثل  "مشروعية الدرس قبل صلاة الجمعة " و "سنية حمل العصا في الخطبة " و " حكم قراءة القرآن جماعة على طريقة  الحزب الراتب "
لقد طبع من هذه الكراريس مئات الآلاف من النسخ و حملتها شاحنات على عجل، أسرت بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتم توزيعها على مساجد الجزائر ضمن حملة واسعة وشاملة ومستعجلة وكأننا أمام حملة مكافحة وباء طارئ حل بالجزائر وأهلها.
لا أحد من الباحثين المتابعين للشأن الديني كلف نفسه البحث و التنقيب عن ظاهرة انتشار ما سمى" إسلام و وهابي " وترك الأمر لوسائل الإعلام التي جعلت منه مادة للهجوم وليس للتحليل و انتهت إلى حملة عنصرية رجعية تلتقي في الجوهر مع الحركة الوهابية التي تسعى إلى العودة بالتاريخ إلى الوراء كل ذلك  كان من أحل تصفية حسابات تاريخية جعلت واجهته "الإسلام الصحراوي " "الإسلام والبدوي" "الإسلام المتخلف". دون أن يطرح أحد على نفسه سؤالا واحدا ، لماذا انتصر هذا الإسلام البدوي الصحراوي  المتخلف على إسلام  الحواضر إسلام الجامع الأخضر إسلام الشيخ عبد الحميد بن باديس التنويري العقلاني الوسطي المعتدل المتسامح  .
سمعنا بعض الأجوبة التي لا تفصح إلا عن كسل فكري واستسهال وتبسيط واختزال مخل حد الابتذال أجمعت على جواب واحد، المال السعودي ، وكأن  الشعب الجزائري  مجموعة من الدمى بلا تاريخ ولا خصوصية تاريخية ولا استمرارية تاريخية ولا تراكم  ثقافي ولا رموز ثقافية  ودينية ولا كرامة إنسانية  شعب يتحرك "بالريموت كونترول "
في هذه العجالة لابد من الوقوف عند مسألة على غاية من الأهمية و الحساسية و الخطورة وهي ،جدل الداخل و الخارج ، هذه المسألة إذا لم نحسن التعامل معها بجدية وعمق فإنها تقود على المستوي النظري وحتى المنهجي إلى نتائج خطيرة  وهذا ما يلمسه المتتبع  للسجالات حول ما اصطلح على تسميته  " الربيع العربي" حيث اختزله البعض و أرجعه إلى مؤامرة خارجية  وكأن الشعوب العربية قطيع يساق بعصا واحدة
الخارج لا يصنع الأحداث ولا يخلق الأزمات، الخارج يركب الأحداث ويمتطي الأزمات ،و الداخل هو الذي يوفر له شروط " المركوبية" وهذا ما عناه  المفكر مالك بن نبي بتلك الفكرة العبقرية " القابيلة للاستعمار " أي لما  تتوفر شروط  داخلية مثل الاستبداد و الفساد والظلم و القهر و الفقر والإذلال و الغن و الحرمان والاستهتار بالقيم الوطنية و الدينية و الإنسانية يجعل الشعوب تعيش الغربة في ديارها وتصاب بالوهن في تلك اللحظة يتمكن من انتهاكها أو مغار عابر سبيل .

إذا سلمنا بهده الفرضية ذلك يتطلب البحث عن الشرط او الشروط الداخلية التي وفرت المناخ المناسب الذي جعل الحركة الوهابية تيارا جارفا ينتشر بسرعة  وكثافة في ربوع الجزائر
  إن الشرط الداخلي يجد تعبيره الحقيقي في أزمة الوطنية الجزائرية وبعبارة قد تبدو للبعض قاسية، إن الحركة الوهابية هي الوجه البشع لأزمة الوطنية الجزائر 
 من هنا في تقديري يبدأ البحث الجاد


  


 



  


    

في "الشيتة" وسيكولوجيا الإنسان "الشيات"

  
"الشيتة " تعبير عامي قد يتعذر إيجاد مرادف مطابق في اللغة العربية يؤدي نفس المعنى والدلالة ،لأن مفردة شيتة  في المخيال الشعبي لها أكثر من بعد و معنى ودلالة ، فهي تشتمل على عدة صفات، فلا يكفي أن نقول مثلا أن مرادفها في اللغة العربية هو التزلف  الذي يعني التقرب بمهانة وإذلال
"الشيتة "تشمل المهانة و الإذلال وتشمل صفة أخرى  أيضا على غاية من الأهمية وهو التلميع. الإنسان "الشيات " ، فهو من جهة يتقرب في ذل ومهانة ، وفي الجهة الأخرى يعمل على  تبيض   وتلميع وصقل صورة  " المشيت" له   حتى ينال رضاه ويقضي حاجاته .
كما تجب الإشارة أن "الشيتة " ظاهرة تاريخية فقد عرفتها جميع المجتمعات المتقدمة منها و المتخلفة ولا تقتصر على شعب معين أو بثقافة معنية ،وسوف تستمر عند البعض كسلوك ومذهب في الحياة ، وهي لا ترتبط بشريحة اجتماعية دون غيرها ، فقد يكون" الشيات" مثقفا كبيرا أو خطيبا مفوها أو شاعرا فحلا ،وقد يكون مواطنا بسيطا أجبرته قسوة الحياة وجبروتها على التزلف" وضرب الشيتة".
 ما يجب الوقوف عنده و التشديد عليه ،أن الشيتة  تختلف عن" الواسطة"  ولا مجال للمقارنة بينهما فقد يبحث الإنسان عن واسطة بخاصة في المجتمعات المختلفة من أجل تخطي العراقيل و الممارسات   البيروقراطية وقد يضطر إلى تقديم رشوة في سبيل قضاء حاجة  دون ان يوصف ذلك السلوك ب "الشيتة " التي هي شيئا أخرا ،لكنها تظل مرتبطة بأفراد  محدودين  ولا تتحول إلى ظاهرة اجتماعية  مثل الرشوة أو الفساد أو نهب المال العام ،فقد  نصف مجتمعا أنه فاسد أو مرتش حيث تصبح  الرشوة و الفساد ظاهرة عامة ،لكن ذلك لا ينسحب على "الشيتة" فلا يوجد مجتمع كله من الشياتين وإلا اندثرت قيم  الشرف و الاستقامة و الرجولة و النزاهة و الحق و الخير و الجمال .
عرّفنا "الشيتة "بوصفها تزلفا وتقربا يكسوها الذل والمهانة من أجل تحقيق مصلحة أو نيل حظوة، فمن هو الإنسان "الشيات" ؟ وما هي سماته؟ ،هذا يقودنا  إلى سؤال أعمق :هل "الشيتة" جانب أصيل في الإنسان أم مكتسب ؟،هل يولد الإنسان وهو مزود بهذه الصفة أم قسوة الحياة وجبروتها  هي التي تجبره على "ضرب الشية" مكرها وليس طوعا ؟
ليس سهلا الحسم في هذه المسألة" الأنطولوجية " التي قد تقودنا إلى نوع من العنصرية ،لكن تجارب الحياة تخبرنا انه يوجد نوع من بشر ،وليس كل البشر، يتحلون بهده الصفة ولا يعرفون وليس بإمكانهم العيش بدونها.
إذا لجأنا إلى البرهان بالخلف نقول أن" الشيات" ليس هو الانتهازي ولا الوصولي، هو كذلك وأكثر من دلك ، لأن الانتهازي أو الوصولي يستعمل ذكاءه وكفاءته من أجل تحقيق مصلحة شخصية ضيقة وقد لا يصل به التنازل إلي " مرحلة " الشيتة  التي هي أعلى مراحل الانتهازية و الوصولية التي يجوز وصفها بمرحلة "الرخص" بدلالاتها الشعبية    .   
إن  الإنسان الذي  يلجأ إلى الشيتة  ،وهي الوسيلة الأخيرة و الرخيصة  ،بل ذروة الرخص ،يستعملها كأداة وسلوك ونمط حياة ،في هذه الحالة  يكون قد أعلن القطيعة النهائية عن منظومة  قيمية  وبنية نفسية واستبدلهما بأخرى مغايرة تتجلى على صعيدين  يتعذر حضور أحدهما دون الأخر ،صعيد    خارجي  وآخر داخلي، الأول الخارجي يفصح عن انهيار المنظومة  الأخلاقية مثل الاستقامة والشرف و الرجولة و الوفاء ،و الداخلي يفصح  عن انهيار البنية النفسية ويكشف عن شخصية غير سوية حتى إذا  أظهر العكس ،لأنه قد يكون الإنسان "زوالي وفحل " كما تقول الأغنية الشعبية  لكنه يتعذر كثيرا  أن يكون الإنسان "شيات وفحل " .  
إن من يجعل الذل و التذلل و الرخص وسيلة للعيش  وأسلوب حياة ، يكون قد سقط اخلاقيا ونفسيا وتتجلى بشكل خاص  فيكثر في  تفكك نسيجه النفسي الداخلي ،ويكون فاقد الثقة في النفس وفي المحيط والناس فيلجأ، بسبب الجبن المتأصل ،وهي صفة مرادفة للشيات ،إلى  الحيلة والخبث و اللؤم والغش و الخداع و الكذب  و التدليس  في التعامل مع العالم الخارجي ،حتى مع أقرب المقربين .
هذه من سمات العبيد و ذهنية العبيد وأخلاق العبيد، حتى وهو يحمل أعلى الدرجات العلمية أو أعلى المراتب السياسية. لذلك لا غضاضة عنده في دخول سوق النخاسة ويتاجر بكل شيء وفي كل شيء حتى بكرامته وشرفه وعرضه وتتحول إلى سلعة للبيع.
في هذا المقام قد يسأل سائل هل الشيتة صفة" رجالية "  تستثنى منها النساء ، إنها صفة عامة تنسحب على الجنسين، فقط المرأة  لما تقرر ممارسة "الشيتة " تختزل الطريق و المتاعب و الجهود المضنية  وتستلقي على ظهرها في أول سرير  . 




samedi 19 octobre 2013

أنا ومصطفى سعيد : الثأر التاريخي المشترك . خواطر مبعثرة


      




كنت تلميذا في المرحلة الثانوية أجبرتني الظروف أن انتقل من العاصمة التي ترعرعت فيها إلى ثانوية تبعد عن العاصمة 500 كلم وفي كل عطلة أعود إلى العاصمة التي عدت إليها بعد سنتين غربة 
كنت في الحافلة  متوجها إلى وجهتي بعدما قضيت العطلة في العاصمة، كانت معي مجموعة من الكتب من ضمنها "موسم الهجرة إلى الشمال"  ولا زلت  أحتفظ بنفس النسخة  التي صدرت عن دار العودة ببيروت سنة 69 ، أما أنا فقط اطلعت عليها في منتصف السبعينيات .
الرحلة تدوم أكثر من سبع ساعات بعدما انطلقت الحافلة من قلب العاصمة انطلقت أنا أيضا في قراءة الرواية ولا أرفع رأسي عن صفحاتها إلا لأتذكر معلمتي الفرنسية في المرحلة الابتدائية كانت تدعى مدام  بيرو .
بعد استقلال الجزائر ،كان أبي أحد أبطاله و شهدائه، وبعد ما توفي أخوة لي أثناء  الثورة ،  التوفيق و هاجر ،حملتني أمي على أكتافها  التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 25 سنة وهي من مواليد  37  توجهت بي  إلى العاصمة  عند أخوالي وعماتي، لا يزالون كلهم  أحياء
  في المدرسة بدأت أشعر بعالم غريب عني، الأطفال لا يشبهون أطفال قريتي ولا النساء يشبهون أمي التي كانت محجبة  أو ما كنا نسيمه الحايك  بينما نساء المدينة سافرات و بلباس  عصري. وما  كان يذهلني أكثر حديثهم كله  باللغة الفرنسية  مع أطفالهم  الذين كانوا  يردون باللغة الفرنسية كنت أسأل نفسي و أنا أتأملهم كيف تعلموا الفرنسية وهم صغار مثلي
نور الدين الطفل الصغير يتعذر عليه فهم الأسباب الحقيقية لهذه الفوارق الاجتماعية ، لكن كنت كلما لما أشاهد الأطفال بصحبة آبائهم أثناء خروجنا من المدرسة أسأل نفسي لماذا آبائهم ليسوا شهداء مثل أبي ؟كنت الوحيد  الذي   يعود إلى منزل عمته   وحيدا بدون  صحبة أب بدون أن يمسكني أبي من يدي
كنت أبكي لحالي و لما أعود إلى المنزل كثيرا ما كانت تسألني والدتي وعمتني عن سبب البكاء وفي كل مرة أنكر أني بكيت رغم الدموع واحمرار العينين .
 رغم تفوقي في الدراسة لم اندمج مع محيطي  الجديد، بدأت اشعر بمعاملة خاصة من  معلمتي  الفرنسية  مدام بيرو ،لا زلت اذكرها إلى اليوم ، كما لازلت  أذكر ملامحها كأنها  تقف أمامي  كانت طويل القامة  ممشوقة القوام شعرها  حالك السواد  لا ينافسه في سواده  إلا عينيها  ورموشها الطويلة كيف أنسى  معلمتي التي رافقتني كامل المرحلة  الابتدائية 
كنت دائما أسأل نفس لماذا تهتمي بي بشكل خاص ولماذا عندما تنادي على التلاميذ تتوقف عند   أسمي ثم تنظر في دفتر المناداة. يبدو أنها كانت بعدما تقرأ الاسم و اللقب تتوقف عند خانة وظيفة الأب ما جعلها تتعاطف معي .
 كانت المدرسة على الطريقة الفرنسية شكلا ومتنا بناية المعلمين جزء تكويمي للمدرسة كانت معلمتي من حين إلى آخر تصحبني معها إلى بيتها كانت تعاملني بنفس صرامة وجدية  المدرسة  فقط كانت تمسكني من خدي  عندما اخطي في اللغة الفرنسية. .تعلمت كيف   أغسل يدي قبل الأكل، تعلمت كيف  أجلس وكيف أمسك الشوكة والسكين  وكيف امسك   قطعة الخبر  وكيف أغسل يدي بعد الأكل  كل ذلك كانت تحت   رعايتها" السامية"  
 تلك العناية الخاصة لا أعلم سببها الحقيقي هل يعود ذلك كون معلمتي ليس لها أولاد أم يعود إلى كوني ابن شهيد لأن الكثير من الفرنسيين الذي بقوا في   الجزائر بعد الاستقلال إما كانوا متعاطفين مع الثورة الجزائرية أو مشاركين فيها
كان مسيو بيرو حاد الطبع  طويل القامة  كما كانت لحيته الكثيفة  تخيفنا  لم يكن محبوبا في المدرسة كما كان لا يرتاح إلى وجودي  قي بيته كانت مدام بيرو لا تتعاطى  معه وكأنه غريب  يبدو  أنهما كانا على خلاف. ظلت  مدام بيرو  ترعاني  مثل ولدها تماما ،وظل مسيو  بيرو لا يرتاج إلى وجودي في بيته
مع   مرور الزمن و سنة إلى سنة  كبر الطفل نور الدين  وكبرت عناية مدام بيرو التي ظلت تعاملني  مثل ولدها إلى آخر لقاء بيننا في نهاية المرحلة الابتدائية كما ظل مسيو بيرو  لا يرتاح لوجودي
 في هذه الأثناء دخلني إحساس مزدوج :الأول تجاه مسيو بيرو  الذي كرهته بشكل كبير كما شعرت بقرب كبير تجاه  معلمتي وكأنها منافسة بيني وبينه . بعد نجاحي في امتحان  السنة السادة ابتدائي وانتقالي إلى الثانوية خارج العاصمة انقطعت الصلة بيني وبين معلمتي .
 كانت الحافلة تقطع المسافات وتلتهم الأرض وأنا منكب على الراوية التهم صفحاتها .
كانت مغامرات مصطفى سعيد تشدني وتذكرني بمعلمتي الفرنسية. لا أعلم أوجه الشبه بين مغامرات مصطفى سعيد النسائية ومعلمتي التي كانت تعاملني مثل ولدها، هل كنت أحمل لها حبا دفينا جعلني مصطفى سعيد أبوح به.
لم تهيمن  علي  شخصية أدبية  وتستغرقني مثلما استغرقرتني شخصية مصطفى سعيد . لقد قرأت   الرواية عدة مرات، وأنا تلميذ  في نهاية  المرحلة الثانوية  وأنا طالب في الجامعة
لما وصلتي رسالة وزارة التعليم العالي تخبرني بترشيحي لبعثة دراسية إلى فرنسا، وأنا اقرأ الرسالة تذكرت مصطفى سعيد ،تذكرت انتقام مصطفى سعيد ،تذكرت كيف كان مصطفى سعيد يذل   الاستعمار القديم داخل فراشه .كنت أقول " أنا جاي " يا بنات فرنسا، لكني أنا نورا لدين وليس  مصطفى سعيد، بيتي لن يكون وكرا للأكاذيب التي بناها مصطفى سعيد أكذوبة أكذوبة   لن  أرضي فضلوكم وغروكم وتكبركم، لن  انقل لكم الشرق  إلى الغرب، لن أفرش بيتي مثلما  فرشها مصطفى سعيد ب: الصندل و الند و ريش النعام وتماثيل العاج و الأبنوس و الصور والرسوم لغابات النخيل على شطآن  النيل وقوافل من الجمال تخب السير على كثبان الرمل على حدود اليمن  .
كانت المرة  الأولى في حياتي  تقف في وجهي والدتي الحاجة  خديجة بصرامة وحدة لم أعهدها منها من قبل ولاهي من طبعها عندما رفضت وبشكل حاسم التوجه إلى فرنسا
لما أقلعت بي الطائرة  نحو المشرق العربي وليس الغرب  وأنا شاب في بداية العشرينيات لم تكن الحاجة خديجة تعلم  أنها  عدلت عنوان" موسم الهجرة إلى الشمال" إلى موسم الهجرة إلى الجنوب  وأنقذت وحيدها من أن يتحول إلى مصطفى سعيد آخر    




   



samedi 10 août 2013

انحطاط أخلاقي:مصر ليست "رقاصة" في شارع الهرم




عندما بلعن جنرالا أن الطائرة الحربية الإسرائيلية التي اخترقت الأجواء المصرية وقصفت مواقع مصرية وبدقة، عندما يعلن وبدون أدنى حياء ولا تأنيب ضمير أن تلك الطائرة من تدبير الإخوان المسلمين ثم يرسم سيناريو مضحكا لتدبير الأخوان وهو يعلم أنه يكذب فهذا يكشف عن انحطاط أخلاقي كبيرا .
القاصي و الداني وحتى السياسي الحمار يعرف أن تلك الطائرة الإسرائيلية دخلت الأجواء المصرية بعد موافقة، لا أقول الجيش المصري الذي صنع معجزة العبور وكان مفخرة لكل العرب، إنما بعد موافقة من القيادات الانقلابية التي هي حاليا محشورة في زاوية ضيقة بعد تصرفهم الأحمق و غير المدروس وبعدما اكتشفوا أن الأمريكيين "مسحوا فيهم الموس" ؟
القاصي و الداني يعلم أن الانقلاب العسكري في الشقيقة مصر ما كان يحدث ولا يجرؤ أحد من العسكر ، ليس القيام به بل حتى التفكير فيه لولا الموافقة الأمريكية لأسباب تخص أمن إسرائيل بالدرجة الأخيرة ، بخاصة بعدما طمأنهم العسكر أن المسألة سهلة وبسيطة ويمكن انجازها في وقت وجيز. كما أن الأمريكيين كانوا على أتم الاستعداد أن يغضوا الطرف عن بعض المجازر إذا تمت المهمة بنجاح
لكن وقع ما لم يكن في الحسبان ولا خطر على بال عندما استفاد أخوان مصر من التجربة الجزائرية ولم يلجئوا إلى العمل المسلح .
لقد شاهدنا مرشد الإخوان بعد الانقلاب مباشرة في ساحة رابعة العدوية يؤكد على السلمية وقال تلك العبارة القوية " سلميتنا أقوى من سلاحهم "

قبل أن استرسل في الحديث وجب التنويه بخاصة لأصحاب الجمل الجاهزة أن كلامي خارج ولا صلة له بأي موقع دني، إنما دائما أسعى جاهدا أن أتحرر من الأوهام و الخيالات وارتبط أكثر بالوقع حتى إذا كان هذا الواقع ضد قناعاتي .
إن صمود الإخوان أكد حقيقة كبرى كنت قد أشرت إليها بعد عودتي من مصر في شهر مارس حيث قلت أن المعركة في مصر التي تبدو في شكلها بين الإخوان و العسكر، بينما في حقيقتها و جوهرها هي معركة بين مصر العميقة من جهة و الدولة العميقة المتحالفة مع أسياد المدن في الجهة المقابلة . من هنا نكتشف مدى إصرار فقراء مصر، فقراء الأرياف والمدن وبخاصة أبنا ء الصعيد وهم سكان مصر الأصليون الذين عاشوا تهميشا تاريخيا منذ حكم سلالة الفراعنة مرورا بحكم سلالات الأجانب المماليك وانتهاء بأسرة الحاكم الألباني محمد علي باشا الذين ورثوا مصر وشعب مصر وهو ما تشرحه تلك العبارة المدوية التي أطلقها ابن الصعيد الجنرال أحمد عرابي في وجه الخديوي توفيق الذي خاطبه قائلا " لقد ورثت هذه البلاد عن آبائي وأجدادي وما انتم إلا عبيد إحساناتنا " فصرخ في وجهه الجنرال الثائر بعبارته المشهورة " لقد خلقنا الله أحرار ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم
المعركة اليوم في مصر بين من يرى في مصر إرث ورثه عن إبائه وأجداده وبين من لا يريد أن يظل متاعا وعقارا وتظل مصر "رقاصة "في شارع الهرم
Haut du formulaire
· 

samedi 6 juillet 2013

عندما يصبح تاجر الفياغرا شخصية وطنية





عندما يصبح تاجر الفياغرا  شخصية وطنية

قبل سنة تقريبا كنت أشاهد لقاء مع شاعر كبير على أحد الفضائيات  التي يملكها  تاجر الفياغرا المعروف جدا في الشقيقة مصر وهو أول من أدخل الفياغرا إلى مصر و الشرق الأوسط وبأسعار مدروسة حتى تصل إلى قطاعات عريضة من جماهير الشعب ولا تكون مقتصرة على الطبقة الوسطى بخاصة المتعلمة التي لها نشاطات واسعة في هذا المجال .
كان الشاعر يتحدث في قضايا ثقافية وكانت منشطة الحصة شابة جميلة جدا لها من السحر ولأنوثة والجاذبية ما يجعلك تهتم بها أكثر من اهتمامك بالشاعر وما يقوله الشاعر.
كانت الشابة تسأل و الشاعر يجيب إلى أن وصلت في أسئلتها عن الهاتف النقال أو الجوال فسألت الشاعر الذي كان يبلغ من العمر ثمانين حولا ،نتمنى له دوام الصحة والعافية وطول العمر، إن كان يستعمل الهاتف الجوال فرد الشاعر قائلا : آه طبعا طبعا استعمل الهاتف الجوال. بعدها سألته سؤالا  لا أعمل  إذا كان على درجة كبيرة من الجرأة أم الوقاحة و  لم بخطر على بالي أن تسأله  ، ليس لأنه لا يناسب سن الشاعر إنما لأنه كان على درجة كبيرة من الابتذال و الإيحاءات الجنسية التي تناسب المراهقين و المراهقات فقالت له" إذن عندك جو " ابتسم الشاعر ولم يرد، بعدها سألته عن رأيه في الهاتف النقال أو الجوال فرد عليها قائلا : القرن العشرين اخترع أهم اختراعين مافيهش زيهم على الإطلاق ، القرن العشرين اخترع الهاتف الجوال واخترع الفياغرا . 
هذه المرة لم استغرب بل ضحكت من أعماقي لجرأة الشاعر وشجاعته التي ليست غريبة عنه  
ولما الشيء بالشيء يذكر،أتابع  هذه الأيام  الحملة التي تقودها  أديبة وكاتبة جزائرية ضد الرجل العربي وضد نزعته الذكورية   وعن أنانيته  المفرطة التي جعلته يخترع لنفسه ،دون سواه" الفياغرا  
 لكي  يطيل عمره الجنسي ويتمتع بالحياة و النساء أكبر مد ممكنة .
 يبدو أن حنق وغضب  الكاتبة و الأديب الجزائرية وصوتها العالي وصل إلى المخابر الغربية لهذا أزف لها بشرى  سمعتها من صديق صيدلي أخبرني أنه تم اختراع فيغارا للنساء
 قد يسأل سائل  أين نحن من العنوان  وما علاقة الفياغرا بالشخصية الوطنية  ؟
في حقيقة الأمر ما ذكرني  بالفياغرا  وتاجر الفياغرا وفضائيات تاجر الفياغرا  ،هذه الحكاية  التي كدت أنساها، ليس بسبب إغلاق عسكر مصر الفضائيات ذات التوجه الإسلامي إنما تذكرنها لما كنت أتابع كلمة رئيس عسكر مصر فشاهدت تاجر الفياغرا من ضمن من سماهم العسكر شخصيات وطنية.
Haut du formulaire
Bas du formulaire

vendredi 5 juillet 2013

الشخصية المصرية من الفهلوة إلى التمرد : أو عندما يخطي عبد الباري عطوان




الحالة المصرية تحتاج إلى أكثر من افتتاحية وأكثر من مقال لأن الشقيقة مصر ليست حالة مصرية فحسب بل حالة عربية  بامتياز.  وهذا ما جعل جريدة" القدس العربي "  تخصص مساحات  للشأن المصري،
 اليوم  افتتاحية للسيد عبد  الباري  عطوان بعنوان "مصر في حاجة إلى مانديلا والإخوان يعيدون حساباتهم "   إضافة إلى مقال  تحليلي  للكاتب صبحي حديدي الذي اختار له عنوانا  ملفتا " العسكر في بر مصر :الجزائر  أم باكستان
ليس في نيتي الدخول في سجال لا مع هذا  أو ذاك  لأن مقال السيد صبحي حديدي لم أر فيه إلا تصفيف جمل .جمل وراء جمل ،وجمل تلاحق جملا ،وجمل  تزاحم جملا . ولم اخلص إلى نتيجة ولا رأي واضح.
أما افتتاحية السيد عبد  الباري عطوان فلا جديد فيها فهو يعيد ويشرح نفس ما قاله أمس وقبل أمس .و الشيء الوحيد  الجديد  في الافتتاحية هو  العنوان الملفت  الذي يطالب فيه السيد عبد الباري  ب "مانديلا مصري ".
لا اعلم لماذا العرب  دائما  يلجئون إلى  التقليد و التشبيه  الذي يسقطنا في أحد امرين ، إما المغالطة أو المماثلة  ولا يبتكرون حلولا من الواقع  الملموس الذي تكون له دائما  خصوصية  تختلف عن هذه التجربة أو تلك  .
لتأخذ دعوة  السيد عطوان إلى مانديلا مصري ، وهنا نسأل  أين أوجه الشبه بين الحالة التي كانت  تعيشها دولة جنوب إفريقيا ودولة مصر .جنوب إفريقيا كانت في حالة  استعمارية تحولت إلى "أبارتايد" إلى تميز عنصري " الرجل الأشقر المحتل ضد الرجل  الأسود ابن البلد .بينما مصر تعرف صراعا اجتماعيا بين مكونات المجتمع الواحد
 هذا الصراع إذا  تجاوزنا بعض  التوصيفات التي تلامس العنصرية  التي  أملاها  الشحن الإعلامي الذي جعل احد  جنرالات مصر المتقاعدين يدعى سويلم   يصرح أن 0 3 جوان  هو انتصار الفراعنة على الغزاة
قلت إذا تجاوزنا  هذا الشطط في الكلام الذي يفصح عن ضعف فكري مفجع   وجهل كبير بحقائق التاريخ  وطموحات الجغرافبا ، ما يتطلب  التصدي له بقوة وحزم  وصرامة وبلا  رحمة و لاشفقة  من أن  أجل تصحيح  الأحظاء  وتصويب  الوعي الزائف  الذي اصاب الكثير .
إذا تخطينا كل ذلك الشطط و" الهبل"  فإن مصر على مستوى  التقدم التاريخي هي بصدد  إعادة صياغة تاريخنا الذي استمر على وتيرة واحدة منذ 7 ألاف سنة   وما ترتب عنها من ذهنيات مثل تلك التي وصفها القرآن الكريم " فاستخف قومه  فأطاعوه "
اليوم مصر  ،رغم كل الأخطاء تتمرد  على  7 آلاف سنة من  الخضوع و الخنوع ، كما تتمرد على ستين سنة من استبداد  العسكر وحكم العسكر  كما تتمرد  على  كل من  يحاول الاستخفاف بها وبعقلها وتسعى من خلال ميادينها التحريرية أن تصنع تاريخا جديدا يجعلها  تتحكم في مصيرها  وتحدد أفاق مستقبلها
 وإذا كان بعد هزيمة 67 ظهرت دراسات تحاول  الكشف عن مكنونات الشخصية المصرية  التي قادت إلى الهزيمة  ووجدتها فيما أطلق عليه في دراسات كثيرة  وكتب متنوعة  صدرت في هذا الشأن  تصف الشخصية  المصرية  ب "الفهلوة .
أما اليوم بعد ثورة 25 جانفي وما تلاها ، فإن المطلوب من المفكرين و الباحثين وحتى الإعلاميين تجاوز السطحي و المؤقت و العابر و الغوص في الأعماق و الكشف عن هذا  التحول في الشخصية المصرية من الفهلوة إلى التمرد