lundi 1 octobre 2012
dimanche 23 septembre 2012
هل "نعاير" المريض بمرضه
زار معهد الفلسفة الفيلسوف الشاب الدكتور إسماعيل مهنانة الذي أعرفه منذ كان طالبا بالمعهد ، الجميع يشهد له بالذكاء و التفوق وسعة الاطلاع والطيبة والخجل و الحياء و دماثة الخلق
كنت سعيدا لما أهداني كتابه حول فلسفة هيدغر وهو في الأصل رسالة الدكتوراه التي تقدم بها إلى قسم الفلسفة وكنت من ضمن الحضور أثناء المناقشة ، ولقد أبلى بلاء حسنا أثناء دفاعه عن رسالته الني نالها بكل جدارة و استحقاق، بدرجة مشرف جدا ، وهي أعلى درجة .
اللقاء كان قصيرا وقد تواعدنا أن نلتقي لكن يبدو أن الظروف حالت دون ذلك
أثناء ذلك اللقاء القصير بمعهد الفلسفة كان الفيلسوف الشاب "زعفان بزاف " من بعض المواقف الفكرية لهذا أو ذاك و اليوم على صفحته بالفيسبوك أعاد ذلك اللوم . ولقد وجد من سانده ودعمه الكاتب الشاب شكري شرف الدين .
دائما أقول ، ولازالت مصرا ،أن الفيسبوك ليس قاعةمحاضرات لكن من اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه .
الفيلسوف الشاب كان يتحدث في ذلك اللقاء القصير جدا عن ضرورة "الصدام" مع قوى التخلف وأن لا مساومة معها ولا تنازل قيد أنملة ومها كان الثمن .
قلت يا إسماعيل هذه لها مخاطر كثيرة قد لا تأتي بالنتائج المرجوة وقد تأتي بعكس ما نريد لأن الخوف من الأفكار الجديدة و القوية وغير المألوفة قد يجعل الناس تخاف وتتراجع وتستكين للمألوف
رد الفيلسوف الشاب بالكثير من التهذيب و الأدب قائلا : يا أستاذ هذه تعد نوعا من الارستقراطية الثقافية التي يختفي وراءها الخوف من المجابهة .قلت يا إسماعيل هذه ليست أرستقراطية هذا ،إن صح التعبير ،" تكتيك" فكري لأننا نريد أن نكسب الجماهير ولا ننفرها لأن الجماهير لازلت في معظمها متدينة ولازالت في الكثير من الأحيان ،حتى وهي تعبر عن تطلعاتها إلى الحرية و الديمقراطية و السيادة والاستقلال ،تعبر عن ذلك كله في إطار الفكر التقليدي لأن الجماهير لم تكتسب أيدلوجية عصرية ولم تجد من يعلمها ذلك ، لهذا ظلت تعبر حتى عن بعض القيم العصرية في إطار الفكر التقليدي .
ولنا أسوة حسنة في تورثنا العظيمة التي كانت ثورة ضد الاستعمار و
الإمبريالية والرأسمالية الفرنسية ،كل ذلك تم في إطار فكرة الجهاد و الاستشهاد و الشهادة وفي ظل هذا الجدل الثوري تحولت كملة "الله أكبر" من مفردة ميتافيزيقية إلى صرخة ثورية على يد الرجال وأسماء الرجال الذين ترجموها في ساحات الوغى إلى قوة مادية كفاحية من أجل الاستقلال والسيادة و السؤدد .
هذا كله يدخل فيما يحلو لي تسميته جدل التراث و العصر حيث القديم في وضع تاريخي محدد يلعب دورا جديدا وينجز مهمة تاريخية جديدة بأدوات تقليدية و مفردات تراثية وطرق عمل قديمة.
لكن يجب ألا يُفهم من حديثي أنه تملق للجماهير و التنازل لها و النزول عند رغباتها ومداراة نقاط ضعفها ،إنما ينم عن ضرورة اكتشاف قوتها وعظمتها حتى وهي تكافح باسم الدين والتقاليد ، من أجل سيادتها وحريتها ، وهذا الجانب متوفر بقوة في ما أصطلح على تسميته بالربيع العربي.الذي يجب ألا يخيفنا لأن الجماهير كما وضحت لا تملك غير ذلك الفكر .
إن الموقف من التراث في حقيقته هو موقف من الجماهير لأنها هي الحامل الحي للتراث الذي يرى فيها البعض شيئا تافها لا يستحق الذكر هذا الموقف في جوهره يعكس احتقارا للجماهير حاملة التراث.
و إذا تمسكنا بهذا الجدل ، جدل التراث و العصر" فإنه من جهة أخرى يمنعنا من السقوط في النخبوية و التعالي و احتقار الجماهير و ممارسة الوصايا عليها واعتبارها قطيع يوظف عند الضرورة
إذا شئنا التشبيه فإن الشعب بخاصة في ظل الوضع التاريخي العربي فهو يشبه المريض الذي لا نعايره بمرضه إنما نعالجه من منه ، ذلك يتطلب الوقت و العناية، كذلك الشعب الذي لم يتعلم في مدارس عصرية و لم يتعلم اللغات الأجنبية ولا محصن بمناهج عصرية يتطلب ان نتعامل معه باحترام شديد لأنه هو صاحب المصلحة الحقيقية في التقدم الرقي و الحداثة العصرنة ولكي تنجز هذه المهمة يتطلب من النخب أن تعمل على تثقيفه وتعليمه وتنويره والارتقاء به إلى مستوى مهام العصر
vendredi 21 septembre 2012
محنة المرأة المسلمة : زوجة ثانية أم عشيقة
لخبر الذي تداولـته الصحف العربية يقول أن معلمة سعودية اشترطت على من تقدم لطلب الزواج منها أن يتزوج صديقاتها الثلاث في المدرسة التي تعمل بها في وقت واحد، أو يصرف النظر عنها ولا يتزوجها. بعدها ثارت ثائرة دعاة الحداثة و حقوق المرأة وعدوه انتهاكا لحقوق المرأة ولكرامتها ، علما ان المرأة هي التي اشترطت ذلك على الرجل، ما يعني انها حرية واختيار و "اللي أوله شرط آخره نور " كما يقول الأشقاء في مصر عليهم نور
المعلمة السعودية لم ترتكب جرما يعاقب عليه القانون، ولا هي سابقة، الإسلام يحدد، ولا يعدد، الزواج بأربع في نص واضح، لكن نص الحداثة يعد ذلك انتهاكا لحقوق المرأة،و ما بينهما تختفي حقائق كثيرة.
وأنا في هذه الدردشة لست مع تعدد الزوجات بالمرة حتى لا يتسرع البعض في الحكم ،إنما أطرح جملة من التساؤلات قد تسهم في الكشف عن المسكوت عنه.
نبدأ بسؤال قد يكون مدخلا :هل الحداثة قضت على تعدد الزوجات أم أوجدت له تخريجات واخترعت له منافذ متعددة ؟ثم أنشأت تخصصا علميا يدعى فلسفة الجسد مسنودا بجهاز مفاهيمي قوامه الحرية الجنسية وحق المرأة في جسدها الذي تعده فلسفة الجسد ملكا لها لا لغيرها تتصرف فيه ،كما تشاء وكيفما تشاء ، تمنحه لمن تشاء و تمنعه على من تشاء .
هذه "الترتيبات" الفكرية تجعل المرأة، في عالم الحداثة، فعالة لما تريد بجسدها ،وهي مدعومة بترسانة قانونية وحماية اجتماعية وحتى أخلاقية ، مثل قانون التحرش الجنسي .
هذه الفلسفة اخترعها " الرجالة" وليس النساء، غايتها جعل المرأة في المتناول، كما تهدف إلى تعميم الجنس، وليس حصره بأربعة، وجعله سهلا وفي متناول الجميع وبدون عناء و لا جهد ولا كلفة باهظة.
هذه الترتيبات الفكرية و الاجتماعية التي اخترعها الغرب هدفها الأول و الأخير هو حل مشكلة الجنس ، التي لا تتلاءم مع النظام الاجتماعي الإسلامي الذي اخترع هو الاخر ترتيبات فكرية و اجتماعية أخرى مغايرة لحل مشكلة الجنس التي قد لا تروق للبعض، مثلما لا يروق الترتيب الغربي للبعض الآخر . وهذا يعد تنوعا يدخل أيضا في إطار فلسفة حق الاختلاف .
vendredi 7 septembre 2012
جزائري في بلاد الشام
كان برفقة زوجته التي سبقته بخطوات إلى المحل بسوق الحميدية، وقبل أن يلحق بها خرجت مسرعة ومرتبكة كادت أن تصدم به أمام باب المحل، سألها "واش بيك واش كاين" لم يصدق ما سمع من زوجته ،صاحب المحل قل أدبه مع زوجته .ثارت ثائرته وهو العريس في الأشهر الأولى من زواجه من قريبته وهي زميلتنا بالجامعة .
لم يكن قد مر على وجوده بدمشق بعض أسابيع، جاء في بعثة دراسية مع زوجته وكانا في نفس ال
تخصص.
زوجته سيدة فاضلة على درجة من الطيبة و الهدوء ،بينما هو على درجة عالية من الانفعال وسرعة الغضب .لقد دخل المحل متوترا و منفعلا وفي حالة غليان، لم يطلب استفسارا من صحاب المحل ،ولا انتظر توضيحا منه ،انهال عليه بلكمات ثم ختمها ب "دماغ إلى النيف" .
اهتز سوق الحميدية ، في سابقة لم يشهدها من قبل ، منذ تأسيسه ،منذ الخلافة الأموية. تجمع التجار أمام المحل و صاحبه مغمى عليه في وضع يرثى له، قميصه ممزقا وملوثا بالدم. الجزائري ظل وافقا أمام المحل يتوعد بالمزيد ، مهددا كل من تسول له نفسه الاقتراب منه ، مذكرا سوق الحميدية ، وتجار سوق الحميدية أنها قضية عرض وشرف، ومن مات دون عرضه وشرفه فهو شهيد .
في تلك اللحظة وصلت سيارة الشرطة ،وكانت فرصة مواتية للشرطة والمخابرات لتصفية الحساب مع تجار سوق الحميدية الموالين و الممولين للإخوان المسلمين في صراعهم مع النظام الذي يلغ ذروته مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، أخذوا معهم صاحب المحل وكان في حالة" بهدلة " وفرجة لا تطاق أمام زملائه التجار ،أما صاحبنا الجزائري فتوجه في سيارة أجرة بصحبة زوجته ، والتقوا جميعا داخل قسم الشرطة .
قبل فتح المحضر رفض الجزائري الحديث إلا في حضور قنصل بلاده مذكرا عميد الشرطة انه جاء في بعثة دراسية في إطار التعاون العلمي بين سوريا و الجزائر، و أن عرضه وشرفه قد تعرض للانتهاك الذي لا ينفصل عن عرض الجزائر وشرف الجزائر وسمعة الجزائر
بعد توسلات من عميد الشرطة، مغلفة ب"سيلوفان" الخبث الشامي، أقنعه، فتنازل عن حضور القنصل. بعدها فُتح المحضر، وأثناء تسجيل الأقوال طلب عميد الشرطة من الجزائري تسجيل أقوال الزوجة باعتبارها المجني عليها وصاحبة الدعوى، انتقض مثل الديك الرومي رافضا أن تستنطق زوجته في حضرة الرجال ،حاولوا معه أكثر من مرة أن يقنعوه أنها شهادة مجني عليها وليس استنطاقا ،لكنه ظل متمسكا برأيه .
نزلت الشرطة عند رغبته وقبلت أن يتحدث نيابة عن زوجته التي كانت تجلس بجانبه،بدأ تسجيل المحضر الرسمي، إنها جناية كاملة الأركان وليست جنحة بسيطة ،سوف تجر تاجر سوق الحميدية إلى السجن لا محالة .
كان صاحب المحل، أصلعا وبدينا، ملامحه تقول أنه في بداية الستينيات، يجلس في الجهة المقابلة مذهولا، يجهل سبب وجوده داخل قسم الشرطة، كما يجهل سبب تعرضه للضرب المبرح.
بدأ الجزائري في سرد الحكاية في أدق تفاصيلها كما طلب منه عميد الشرطة،في حضور مجموعة من مساعديه ،ضباط وصف ضباط.قال :كنت برفقة زوجتي بسوق الحميدية لشراء بعض المستلزمات للبيت الذي استأجرته بحي" ركن الدين" لما وصلنا إلى المحل المذكور سبقتني زوجتي بخطوات إلى المحل بعد ثوان من دخولها خرجت مسرعة ومرتبكة ومذهولة من هول ما سمعت من كلمات بذيئة من صاحب المحل .
تدخل عميد الشرطة وطلب من الجزائري أهمية وضرورة تسجيل الكلمات البذيئة في المحضر الذي سيحول إلى العدالة فتكون بذلك شهادة وقرينة أمام القضاء حتى يصدر حكما قاسيا ضد هذا التاجر الفاجر الذي أساء لسمعة سوريا ،كما أساء لشقيق من دولة شقيقة جاء لطلب العلم .
مرة أخرى يرفض الجزائري النطق بكلمات التاجر البذيئة أمام زوجته في حضرة الرجال، فطلب منها أن تخرج خارج القسم، بعدما خرجت قال:لما دخلت زوجتي المحل، قال لها التاجر " أهلين عيوني ".
لقد سكت الجزائري ،يبدو انه كان يفكر في الاعتداء ثانية على التاجر الذي تجرأ على زوجته
لكن عميد الشرطة وكاتب المحضر و المساعدين من ضباط وصف ضباط ظلوا ينتظرون جميعا بقية الشهادة ،لكن الجزائري سكت ولم يواصل الحديث ، فطلب منه عميد الشرطة إكمال الحديث من أجل تسجيل الكلام البذيء الذي تفوه به تاجر الحميدية ،قال :أخبرتك يا سيادة العميد ،أنه بعد دخول زوجتي المحل بادرها يقوله "أهلين عيوني " فرد عميد الشرطة مستفسرا ، طيب يا أستاذ بعدما قال صاحب المحل لزوجتك "أهلين عيوني "ماذا قال لها بعد ذلك من كلمات بذيئة ،
نظر الجزائري إلى عميد الشرطة بدهشة واستغراب واستنكار ثم أعاد الجملة ثانية على مسامع العميد ومساعديه :قلت لك يا سيادة العميد، لقد قال لها " أهلين يا عيوني " هذه هي الكلمة البذيئة التي تفوه بها تاجر الحميدية ، وهل توجد ألفاظا خارجة وبذيئة أكثر من هذه . ثم راح يشرح بكل من فخر و اعتزاز و الكثير من الشموخ أن هكذا ألفاظا لو قيلت في الجزائر لسالت الدماء حد الركب ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الجزائري .... قاطعه عميد الشرطة الذي كان ينظر إليه باستغراب ويتبادل نظرات الدهشة مع مساعديه الذين لم يصدقوا ما سمعوا من الجزائري الذي كاد أن يتسبب في عاهة مستديمة لتاجر سوق الحميدية الذي استقبل زوجته بكلمة "أهلين عيوني"
توجه عميد الشرطة بالحديث إلى الجزائري الذي جاء في بعثة دراسية طالبا للعم ،قائلا : أنصحك بالعودة إلى الجزائر أو التوجه إلى بلد أخر من أجل مواصلة دراستك، لأنه يتعذر عليك مواصلتها في سوريا التي سوف تقضي بها مدة بعثتك الدراسية منتقلا بين أقسام الشرطة لأن زوجتك، أينما حلت سوف يستقبلها الشعب السوري بالترحاب مرددين "أهلين عيوني" .
إلى يومها هذا كلما التقي بصديقي وزوجته أبادرهما ب "أهلين عيوني " ثم نضحك جميعا
زوجته سيدة فاضلة على درجة من الطيبة و الهدوء ،بينما هو على درجة عالية من الانفعال وسرعة الغضب .لقد دخل المحل متوترا و منفعلا وفي حالة غليان، لم يطلب استفسارا من صحاب المحل ،ولا انتظر توضيحا منه ،انهال عليه بلكمات ثم ختمها ب "دماغ إلى النيف" .
اهتز سوق الحميدية ، في سابقة لم يشهدها من قبل ، منذ تأسيسه ،منذ الخلافة الأموية. تجمع التجار أمام المحل و صاحبه مغمى عليه في وضع يرثى له، قميصه ممزقا وملوثا بالدم. الجزائري ظل وافقا أمام المحل يتوعد بالمزيد ، مهددا كل من تسول له نفسه الاقتراب منه ، مذكرا سوق الحميدية ، وتجار سوق الحميدية أنها قضية عرض وشرف، ومن مات دون عرضه وشرفه فهو شهيد .
في تلك اللحظة وصلت سيارة الشرطة ،وكانت فرصة مواتية للشرطة والمخابرات لتصفية الحساب مع تجار سوق الحميدية الموالين و الممولين للإخوان المسلمين في صراعهم مع النظام الذي يلغ ذروته مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، أخذوا معهم صاحب المحل وكان في حالة" بهدلة " وفرجة لا تطاق أمام زملائه التجار ،أما صاحبنا الجزائري فتوجه في سيارة أجرة بصحبة زوجته ، والتقوا جميعا داخل قسم الشرطة .
قبل فتح المحضر رفض الجزائري الحديث إلا في حضور قنصل بلاده مذكرا عميد الشرطة انه جاء في بعثة دراسية في إطار التعاون العلمي بين سوريا و الجزائر، و أن عرضه وشرفه قد تعرض للانتهاك الذي لا ينفصل عن عرض الجزائر وشرف الجزائر وسمعة الجزائر
بعد توسلات من عميد الشرطة، مغلفة ب"سيلوفان" الخبث الشامي، أقنعه، فتنازل عن حضور القنصل. بعدها فُتح المحضر، وأثناء تسجيل الأقوال طلب عميد الشرطة من الجزائري تسجيل أقوال الزوجة باعتبارها المجني عليها وصاحبة الدعوى، انتقض مثل الديك الرومي رافضا أن تستنطق زوجته في حضرة الرجال ،حاولوا معه أكثر من مرة أن يقنعوه أنها شهادة مجني عليها وليس استنطاقا ،لكنه ظل متمسكا برأيه .
نزلت الشرطة عند رغبته وقبلت أن يتحدث نيابة عن زوجته التي كانت تجلس بجانبه،بدأ تسجيل المحضر الرسمي، إنها جناية كاملة الأركان وليست جنحة بسيطة ،سوف تجر تاجر سوق الحميدية إلى السجن لا محالة .
كان صاحب المحل، أصلعا وبدينا، ملامحه تقول أنه في بداية الستينيات، يجلس في الجهة المقابلة مذهولا، يجهل سبب وجوده داخل قسم الشرطة، كما يجهل سبب تعرضه للضرب المبرح.
بدأ الجزائري في سرد الحكاية في أدق تفاصيلها كما طلب منه عميد الشرطة،في حضور مجموعة من مساعديه ،ضباط وصف ضباط.قال :كنت برفقة زوجتي بسوق الحميدية لشراء بعض المستلزمات للبيت الذي استأجرته بحي" ركن الدين" لما وصلنا إلى المحل المذكور سبقتني زوجتي بخطوات إلى المحل بعد ثوان من دخولها خرجت مسرعة ومرتبكة ومذهولة من هول ما سمعت من كلمات بذيئة من صاحب المحل .
تدخل عميد الشرطة وطلب من الجزائري أهمية وضرورة تسجيل الكلمات البذيئة في المحضر الذي سيحول إلى العدالة فتكون بذلك شهادة وقرينة أمام القضاء حتى يصدر حكما قاسيا ضد هذا التاجر الفاجر الذي أساء لسمعة سوريا ،كما أساء لشقيق من دولة شقيقة جاء لطلب العلم .
مرة أخرى يرفض الجزائري النطق بكلمات التاجر البذيئة أمام زوجته في حضرة الرجال، فطلب منها أن تخرج خارج القسم، بعدما خرجت قال:لما دخلت زوجتي المحل، قال لها التاجر " أهلين عيوني ".
لقد سكت الجزائري ،يبدو انه كان يفكر في الاعتداء ثانية على التاجر الذي تجرأ على زوجته
لكن عميد الشرطة وكاتب المحضر و المساعدين من ضباط وصف ضباط ظلوا ينتظرون جميعا بقية الشهادة ،لكن الجزائري سكت ولم يواصل الحديث ، فطلب منه عميد الشرطة إكمال الحديث من أجل تسجيل الكلام البذيء الذي تفوه به تاجر الحميدية ،قال :أخبرتك يا سيادة العميد ،أنه بعد دخول زوجتي المحل بادرها يقوله "أهلين عيوني " فرد عميد الشرطة مستفسرا ، طيب يا أستاذ بعدما قال صاحب المحل لزوجتك "أهلين عيوني "ماذا قال لها بعد ذلك من كلمات بذيئة ،
نظر الجزائري إلى عميد الشرطة بدهشة واستغراب واستنكار ثم أعاد الجملة ثانية على مسامع العميد ومساعديه :قلت لك يا سيادة العميد، لقد قال لها " أهلين يا عيوني " هذه هي الكلمة البذيئة التي تفوه بها تاجر الحميدية ، وهل توجد ألفاظا خارجة وبذيئة أكثر من هذه . ثم راح يشرح بكل من فخر و اعتزاز و الكثير من الشموخ أن هكذا ألفاظا لو قيلت في الجزائر لسالت الدماء حد الركب ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الجزائري .... قاطعه عميد الشرطة الذي كان ينظر إليه باستغراب ويتبادل نظرات الدهشة مع مساعديه الذين لم يصدقوا ما سمعوا من الجزائري الذي كاد أن يتسبب في عاهة مستديمة لتاجر سوق الحميدية الذي استقبل زوجته بكلمة "أهلين عيوني"
توجه عميد الشرطة بالحديث إلى الجزائري الذي جاء في بعثة دراسية طالبا للعم ،قائلا : أنصحك بالعودة إلى الجزائر أو التوجه إلى بلد أخر من أجل مواصلة دراستك، لأنه يتعذر عليك مواصلتها في سوريا التي سوف تقضي بها مدة بعثتك الدراسية منتقلا بين أقسام الشرطة لأن زوجتك، أينما حلت سوف يستقبلها الشعب السوري بالترحاب مرددين "أهلين عيوني" .
إلى يومها هذا كلما التقي بصديقي وزوجته أبادرهما ب "أهلين عيوني " ثم نضحك جميعا
lundi 20 août 2012
أنا و الطاهر وطار ومحطة قسنطينة الجهوية
اتصلت بي صحفية تطلب شهادة عن الأديب الطاهر وطار، في ذكرى رحيله اعتذرتُ وقبِلت الاعتذار لأن الشهادة تتطلب الصداقة و القرب والمعايشة، بينما علاقتي بالطاهر وطار لا تتعدى ندوة أو محاضرة أو حضور أمسية بمقر الجاحظية .
لكن اتصال الصحفية ذكرني بموقف أو لحظة لا انساها وقتها كنت طالبا بالثانوية وكنت قرأت بعضا من أدب الطاهر وطار. اللحظة التي لا أنساها كانت وقت نشرة الأخبار التي كانت تذيعها كتيبة كاملة من الصحفيين ولازلت أذكر بعض تلك الأسماء مثل إبراهيم بلبحري وعبد القيوم بوكعباش و محمد ملائكة و الصالح الذيب هذا الأخير توفي مع مجموعة من الصحفيين في حادث الطائرة المشهور مع وفد من الصحففين كانوا يرافقون الرئيس هوارب بومين في رحلة إلى الخارج
بعد أخبار العاصمة وما جاورها تتحول النشرة إلى المحطات الجهوية: وهران غربا و قسنطينة شرقا
في تلك الليلة كنت أتابع نشرة الأخبار، ليس اهتماما إنما هكذا صدفة، وأنا كذلك تحولت النشرة إلى محطة قسنطينة التي كان يقدمها صحفي يدعى ،دعاس الربيع ، أول ما بدأ أخبار قسنطينة كان خبر وصول الطاهر وطار المراقب بحزب جبهة التحرير، وكان الخبر مرفقا بصور حية عن وصوله إلى قسنطينة بدأ من نزوله من الطائرة وتصريحه داخل المطار ثم وهو داخل محافظة الحزب بقسنطينة .
،لقد أعلن الصحفي دعاس الربيع ، أن جولة الطاهر وطار إلى الشرق الجزائري في إطار مهمة تفتيشية بتوجيه وتكليف من الجهاز المركزي للحزب .
صراحة لم أسأل نفسي وقتها ماذا يفتش الطاهر وطار في قسنطينة ،بل لم يخطر على بالي هكذا سؤال .
لكن فاجأتني تلك الصور وذلك الخبر وحفاوة الاستقبال الذي يكشف أن الطاهر وطار شخصية سياسية كبيرة ومهمة.وليس فقط كاتبا وأديبا كما كنت اعتقد
لقد لازمتني تلك الصورة و لم تفارقني حتى بعد ما واصلت قراءة أدب الطاهر وطار كله، من بابه إلى محرابه.
ولأنني أنتمي إلى جيل ارتوي من ينابيع الأيديولوجيا حتى الثمالة ،كما أنني لازلت مقتنعا أن المعركة الأيديولوجية لم تسقط ولن تسقط وستظل تحرك الفكر و الممارسة، كما تحرك المخيال السياسي و المخيال الأدبي ، ذلك كله يجعلني أقول أن الطاهر وطار كتب رواية جميلة "عرس بغل" أما الباقي من حق الناس أن تسميه ما تشاء لأنه ليس من حقي مصادرة رأي أحد .
حتى بطل رواية" الشمعة و الدهاليز" الذي أعرفه حق المعرفة، كما يعرفه الصديق ناصر جابي أحسن مني .لقد تعرفت عليه بعد أحداث أكتوبر لما أسسنا لجنة التنسيق الجامعية التي كنا نهدف من خلالها حماية الجامعة من الاستقطاب السياسي
لقد كان يوسف السبتي رحمه الله شاعرا ومفكرا على درجة من النزاهة الفكرية والاستقامة الأخلاقية إلى حد التصوف كما كان من الفاعلين و الناشطين في هذه اللجنة ، كما كان فاعلا في جمعية الجاحظية.
هذه الخصال وغيرها التي عرف بها يوسف الستبي جعلته يختلف كثيرا عن صاحب الجاحظية ولا ينسجم معه فكريا ولا يتوافق معه سياسيا
أما " إسناد " البطولة له في رواية الشمعة و الدهاليز فهذا يدخل في باب " récupération"
لكن التاريخ شاء أن يكون الطاهر وطار مؤسس الرواية العربية في الجزائر ويكفيه ذلك فخرا، لأن التأسيس يكون مرة واحدة و إلى الأبد .
dimanche 19 août 2012
هكذا تكلم مولود قاسم
كان ذلك سنة 78 لما زارنا المفكر الكبير طيب تيزيني في أول زيارة له إلى الجزائر بدعوة من وزارة التعليم العالمي و البحث العلمي ، والدعوة كانت من طرف مديرية النشاط الثقافي التي كان يرأسها الكاتب و المسرحي و المناضل و الرجل المحترم المرحوم مصطفى كاتب ،الذي يعود له الفضل الكبير في ذلك الإشعاع الفكري الذي عرفته الجزائر ، بفضله وجهده عرفت الجزائر حركة ف
كرية واسعة ولا يزال الكثير يتذكر تلك الندوة الواسعة التي جمعت نخبة الأمة كان عنوانها " الأدب و الثورة "
حضر الدكتور الطيب تيزيني الذي سبقته شهرته إلى الجزائر ،وكنا ننتظر هذه الزيارة بفارغ الصبر ،كما يقال ، لأن الطيب تيزيني لم يكن أستاذا للفلسفة فقط ، ولا مثقفا صاحب إسهامات ، إنما كان مفكرا وصاحب مشروع كبير الذي دشنه بكتابه الضخم " من التراث إلى الثورة : حول نظرية مقترحة في قضية التراث العربي .
كان اللقاء بقاعة الكابري بشارع شاراس ،كانت القاعة مكتظة ما أضطر البعض أن يظل واقفا مدة المحاضرة . شاءت الصدف أن أكون من الجالسين في الصف الأولى لأنني كنت من السباقين وليس من اللاحقين
قبل المحاضرة بدقائق دخل مولود قاسم بدون مرافقين و لا برتوكول، وقتها كان وزيرا للشؤون الدينية ، لم يقع أي ارتباك أو اضطراب تقدم بنفسه وقال لأحد الحاضرين بالصف الأول وبصوف مرتفع وبلهجة شعبية " ديرلي بلاصا " ضحكنا جميعا ثم فسحنا له المجال وجلس بالقرب مني.
عبد العالي رزاقي وما أدراك ما عبد العالي الذي كان يرافق الدكتور تيزيني ، هو من قام بتقديه إلى الحضور ، في أول كلمة له ، وقد عرفت بعد سنوات من تيزيني نفسه الذي حدثني انه انزعج من تقديمه بتلك الطريقة ، قال رزاقي أقدم لكم احد أقطاب الفكر الإلحادي في العالم العربي. وبعد التقديم على الطريقة "الرزاقية "، تحدث المفكر الكبير عن مشروعه الفكري ومسوغاته التاريخية ، كما تحدث عن بعض الصعوبات النظرية والمنهجية التي تنشأ عند وضع النظرية موضع التطبيق على قضايا التراث
بعد المحاضرة فتح النقاش، تحدث من تحدث ،بعض الحديث كان إطراءا ومجاملة، وبعضه الآخر لم يرق إلى مستوى الأجواء العالية التي حلّق فيها المفكر طيب تيزيني.
بعدها جاءت الفاجعة الكبرى لما تدخل أحدهم ،كان دائما يعلن عن نفسه أنه شاعر لكنه لم يلق اعترافا فتحول إلى القصة القصيرة والكاتبة في الصحافة ، ومؤخرا قيل لي أنه تحول إلى تاجر ،طلب التدخل وبدأ الهجوم العنيف على الطيب تيزيني إلى حد التجريح
وهو يتحدث كان يقوم بحركات مفتعلة فيها الكثير من التكلف توحي بشخصية موتورة غير سوية ،تارة ينزع نظارته السميكة عن عينيه ثم يلتفت إلى الجمهور في حركات مضحكة ، ثم يعيدها وهو ينظر إلى الطيب تيزيني و يهذي دون توقف
وقتها كنا طلبة ،شباب صغار لا نجرؤ على الحديث أو الرد في محاضرة عامة وأمام مفكر بقامة طيب تيزيني ، لكننا اندهشنا لهذه الوقاحة و قلة الحياء وانعدام الأدب ، وواصل التجريح إلى حد ، توجيه التهمة و الإدانة إلى شخص الطيب تيزيني وفكر طيب تيزيني حول التراث، واصفا إياه بالفكر صهيوني ،الذي لم يجرؤ على قوله حتى غلاة الصهيونية كما قال
وفي نهاية المداخلة ،إن صح تسميتها كذلك ، أراد أن يتدارك فوقع في تناقض صارخ لما اعترف وبطريقة بهلوانية زادها بؤسا شكله الريفي ونظارته السميكة ولباسه المزركش ، اعترف أنه غير متمكن من قضايا المنهج و الفكر الماركسي وأنه يعاني من بعض القصور في ذلك
في هذا اللحظة طفح الكيل بمولود قاسم وبلغ السيل الزبى و" طارلو القرمود "فالفت إليه قائلا بالحرف وبصوت مرتفع وبأسلوب مولود قاسم المعروف وأمام جميع الحاضرين : أسمع يا بني أنت لا تعاني من بعض القصور، أنت تعاني قصورا شاملا وجهلا مركبا. ثم راح يلقنه درسا ،لن ينساه ، في كيفية التعامل مع العلم والعلماء .
وفي الختام تقدم مولود قاسم إلى الطيب تيزيني ،مولود قاسم وزير الشؤون الدينية يتقدم إلى تيزيني المفكر الماركسي، مرحبا به في الجزائر ويشكره على جهوده الفكرية .
كانت مرحلة، و كانوا رجال ،وكانت مهام
رحم الله مولود قاسم .
حضر الدكتور الطيب تيزيني الذي سبقته شهرته إلى الجزائر ،وكنا ننتظر هذه الزيارة بفارغ الصبر ،كما يقال ، لأن الطيب تيزيني لم يكن أستاذا للفلسفة فقط ، ولا مثقفا صاحب إسهامات ، إنما كان مفكرا وصاحب مشروع كبير الذي دشنه بكتابه الضخم " من التراث إلى الثورة : حول نظرية مقترحة في قضية التراث العربي .
كان اللقاء بقاعة الكابري بشارع شاراس ،كانت القاعة مكتظة ما أضطر البعض أن يظل واقفا مدة المحاضرة . شاءت الصدف أن أكون من الجالسين في الصف الأولى لأنني كنت من السباقين وليس من اللاحقين
قبل المحاضرة بدقائق دخل مولود قاسم بدون مرافقين و لا برتوكول، وقتها كان وزيرا للشؤون الدينية ، لم يقع أي ارتباك أو اضطراب تقدم بنفسه وقال لأحد الحاضرين بالصف الأول وبصوف مرتفع وبلهجة شعبية " ديرلي بلاصا " ضحكنا جميعا ثم فسحنا له المجال وجلس بالقرب مني.
عبد العالي رزاقي وما أدراك ما عبد العالي الذي كان يرافق الدكتور تيزيني ، هو من قام بتقديه إلى الحضور ، في أول كلمة له ، وقد عرفت بعد سنوات من تيزيني نفسه الذي حدثني انه انزعج من تقديمه بتلك الطريقة ، قال رزاقي أقدم لكم احد أقطاب الفكر الإلحادي في العالم العربي. وبعد التقديم على الطريقة "الرزاقية "، تحدث المفكر الكبير عن مشروعه الفكري ومسوغاته التاريخية ، كما تحدث عن بعض الصعوبات النظرية والمنهجية التي تنشأ عند وضع النظرية موضع التطبيق على قضايا التراث
بعد المحاضرة فتح النقاش، تحدث من تحدث ،بعض الحديث كان إطراءا ومجاملة، وبعضه الآخر لم يرق إلى مستوى الأجواء العالية التي حلّق فيها المفكر طيب تيزيني.
بعدها جاءت الفاجعة الكبرى لما تدخل أحدهم ،كان دائما يعلن عن نفسه أنه شاعر لكنه لم يلق اعترافا فتحول إلى القصة القصيرة والكاتبة في الصحافة ، ومؤخرا قيل لي أنه تحول إلى تاجر ،طلب التدخل وبدأ الهجوم العنيف على الطيب تيزيني إلى حد التجريح
وهو يتحدث كان يقوم بحركات مفتعلة فيها الكثير من التكلف توحي بشخصية موتورة غير سوية ،تارة ينزع نظارته السميكة عن عينيه ثم يلتفت إلى الجمهور في حركات مضحكة ، ثم يعيدها وهو ينظر إلى الطيب تيزيني و يهذي دون توقف
وقتها كنا طلبة ،شباب صغار لا نجرؤ على الحديث أو الرد في محاضرة عامة وأمام مفكر بقامة طيب تيزيني ، لكننا اندهشنا لهذه الوقاحة و قلة الحياء وانعدام الأدب ، وواصل التجريح إلى حد ، توجيه التهمة و الإدانة إلى شخص الطيب تيزيني وفكر طيب تيزيني حول التراث، واصفا إياه بالفكر صهيوني ،الذي لم يجرؤ على قوله حتى غلاة الصهيونية كما قال
وفي نهاية المداخلة ،إن صح تسميتها كذلك ، أراد أن يتدارك فوقع في تناقض صارخ لما اعترف وبطريقة بهلوانية زادها بؤسا شكله الريفي ونظارته السميكة ولباسه المزركش ، اعترف أنه غير متمكن من قضايا المنهج و الفكر الماركسي وأنه يعاني من بعض القصور في ذلك
في هذا اللحظة طفح الكيل بمولود قاسم وبلغ السيل الزبى و" طارلو القرمود "فالفت إليه قائلا بالحرف وبصوت مرتفع وبأسلوب مولود قاسم المعروف وأمام جميع الحاضرين : أسمع يا بني أنت لا تعاني من بعض القصور، أنت تعاني قصورا شاملا وجهلا مركبا. ثم راح يلقنه درسا ،لن ينساه ، في كيفية التعامل مع العلم والعلماء .
وفي الختام تقدم مولود قاسم إلى الطيب تيزيني ،مولود قاسم وزير الشؤون الدينية يتقدم إلى تيزيني المفكر الماركسي، مرحبا به في الجزائر ويشكره على جهوده الفكرية .
كانت مرحلة، و كانوا رجال ،وكانت مهام
رحم الله مولود قاسم .
Inscription à :
Articles (Atom)