dimanche 30 octobre 2011

سوريا : إلى أين ؟



                
المتابعون للشأن السوري تباينت  أرائهم حول  نشاز  حلب ودمشق  عن  الحراك السياسي الذي تشهده سوريا ،لكنهم تقاطعوا عند نقطة واحدة وهي موقف الطبقة الوسطى داخل المدينتين ، البعض يراه  متذبذبا مترددا  عاجز عن الحسم ، بينما بدا للبعض الآخر موقفا  متزنا لا يريد الدخول في مغامرة غير محسوبة نتائجها .
أما ما سمعته أمس من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقابلة مع قناة الجزيرة يبعث على الحيرة و القلق، فلم يكتف بالدفاع عما سماه  الموقف الوطني و المتميز   للطبقة الوسطى داخل حلب ودمشق ،المركز ، قلب سوريا النابض ،لقد ذهب إلى حد توجيه  تهمة صريحة  للثورة السورية  القادمة  من الأطراف . وأشار بوضوح إلى درعا جنوبا على الحدود الأردنية المدعومة من طرف المخابرات الأردنية ، كما لم  يستبعد دور المخابرات الإسرائيلية . و القامشلي  في أقصى الشمال الشرقي ، ربما كان يقصد  الأكراد المتواجدين في المنطقة بكثافة كبيرة . وجسر الشغور غربا على الحدود التركية  الطامحة لدور  إقليمي .
و إذا كنت لا أصادر على رأي أحد ، فإن الوقوف عند الطبقة الوسطى داخل  المدينتين ،بوصفها وحدها  دون سواها ، أداة  تحليل وعامل تفسير يعد اختزال وتبسيط وتسطيح للواقع السوري الذي يعد  على درجة كبيرة من التعقيد والتشابك تتداخل فيه عوامل متعددة، الطبقي والطائفي، السياسي والاقتصادي ليس من السهل  فك خيوطها ،ذلك يتطلب الإلمام بتاريخ سوريا ،وأنا هنا لا ادعي معرفة به، إنما اقترح مدخلا آخرا قد يساعد على الفهم و التفسير.
 يخطئ كثيرا من يعتقد أن الطائفة العلوية التي قامت بانقلاب عسكري ضد حكم الأغلبية السنية والتي لا تتجاوز 8 %  من مجموع السكان    تنفرد بحكم سوريا ، إن نظام الأسد الأب المعروف عنه  الدهاء والخبرة  السياسية و  الإطلاع على الحقائق السورية  رسم حدودا ووضع  خطوطا حمراء  لم يسمح حتى لأخيه رفعت بتجاوزها أو القفز عليها لأن ذلك  يجر سوريا إلى متاعب يتعذر التحكم فيها وهذا يفسر لنا  سر استمرار واستقرار  نظام الأسد الأب ثلاثة  عقود دون نفي طابعه القمعي .
هذه الوضعية الطائفية  جعلت  الأسد الأب  يعيد تشكيل الخريطة السياسية من اجل خلق توازنات سياسية جديدة  وواقع جديد  وموازين قوى جديدة   تحتل فيها الطائفة مكانة متميزة ومريحة .
البداية كانت تجميع الطوائف الصغيرة التي حققت، في ظل هذا التحالف، مكاسب اقتصادية وبعض النفوذ السياسي. . وعلى صعيد آخر تم استقطاب العناصر الانتهازية  من داخل الأحزاب التي انتقل معظمها للعمل السري بعد الانقلاب العسكري  فتشكلت من تلك العناصر ما سمي جبهة وطنية تقدمية .كان الهدف من ذلك مزدوجا ،من جهة أولى يخفي النظام  طابعه الطائفي،ومن الجهة الأخرى  ليسوق نفسه بوصفه استمرار  للخط القومي  التقدمي الاشتراكي   الذي يمثله  حزب البعث  القائد للدولة والمجتمع . 
  وما له دلالة  وتجب الإشارة إليه و الوقوف عنده مليا ،أنه ضمن هذا التشكل السياسي الجديد ظلت البرجوازية السنية تحافظ على مصالحها ، بل استفادت من لعبة  التوازنات السياسية  التي كانت جزءا منها وطرفا فاعلا فيها .ومكافأة لها عن سكوتها على حكم الأقلية   ، سكت النظام  على الكثير من ممارساتها كالتهرب الضريبي وتهريب الأموال ونشاطات اقتصادية خارج الأطر القانونية. كما استفادت بشكل كبير من القمع المسلط على القوى التقدمية و الاحتجاجات العمالية و الطلابية  ومؤسسات المجتمع المدني، ذلك كله كان له الأثر الطيب في نفس  البرجوازية السنية بخاصة في المدن الكبرى مثل حلب ، العاصمة الصناعية  ودمشق العاصمة السياسية و الاقتصادية. لهذا يجوز الحديث عن تحالف نشأ منذ البداية بين الجزء الحاكم من الطائفة العلوية و البرجوازية السنية ، ولقد توسع هذا التحالف بتشجيع  وتسهيل من حافظ الأسد.  وبعد أربعة عقود من الحكم  تكونت ما يمكن تسميته بتحفظ شديد  طبقة بورجوازية علوية عمقت التواصل مع البرجوازية السنية  عن طريق الشراكة الاقتصادية  و المصاهرة  فوقع تزاوج المال و السياسية واختلط الطبقي بالطائفي  في تكتل واحد ومصلحة واحدة
لهذا ليس صدفة على الإطلاق، أو ما له دلالة رمزية بعد رحيل الأسد الأب ، ومجيء الابن كانت أول خطوة، زواج الابن من شابة سنية   ومن أكبر العائلات البرجوازية السنية فكانت رسالة واضحة للعهد الجديد.
 لكن مع رحيل الأسد الأب ومعه جيل عرف كيف يحافظ على التوازنات داخل  المجتمع  الذي  لقي إجماعا وطنيا  ضمن الحدود الدنيا . لكن على أنقاض  جيل الآباء ، تقدم الحياة السياسية  جيل جديد عديم الخبرة و الكفاءة و الوطنية ، جيل  مرتبط  أكثر بالفساد  وحب السيطرة  و النفوذ ، فتوسعت دائرة النهب و الفساد و الاستغلال و النفوذ و الرشوة  والاستقطاب الاجتماعي  أدى إلى الإقصاء و التهميش للأغلبية السياسية ،  بخاصة داخل المدن الكبرى   مدعوم بجهاز بيروقراطي متضخم  تغذيه جبروت دولة متضخمة  ذلك كان  على حساب بقية المجتمع  نتج عنه انفراط العقد الاجتماعي  ،فسهّل العودة  إلى التكوينات الاجتماعية  ما قبل  دولة  وما قبل أمة  
هذه الوضعية الجديدة  نتج عنها  استهتار بالقيم الوطنية  المشتركة، من طرف الأقلية  الحاكمة كما ضربت عرض الحائط بكل التقاليد الموروثة  الضامنة للاستمرارية  التاريخية و الاستقرار الاجتماعي،  خاصة بعد أربعة عقود من الهيمنة  والسيطرة  و التوسع المالي بلا حدود و لا رقيب ، لم تعد معه الطائفة  العلوية كما كانت من قبل فقيرة ريفية،  لقد أصبحت لها الهيمنة الاقتصادية   والقوة العسكرية   ونخبة سياسية وفكرية وبيروقراطية تعتمد عليها . ولم تعد في حاجة إلى حلفاء الأمس  ولا إلى شراكتهم   السياسية و الاقتصادية ولا لباقي المجتمع ، أدى   إلى الميل  و الرغبة القوية لدى   قوى  واسعة داخل الطائفة إلى  الاستحواذ، ليس على الحكم، إنما على سوريا  بأكملها  
وإذا لم يقع تعدل  سريع وحاسم على بنية النظام  من داخل الطائفة  وليس من خارجها  أو ضمن تحالف  يطمئن الجميع ، فإن سوريا لن تكون بعيدة  عن السيناريو  الليبي .
   


vendredi 28 octobre 2011

هيكل: يرحّل التاريخ سرا في قطار الربيع العربي.



                                                
       
التاريخ لا يركب القطار، ولا يسافر ولا يملك جواز سفر، ، لأن الناس تسافر إلى التاريخ  ولا يسافر إليها .لكن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل  في مقابلته الأخيرة مع جريدة الأهرام .حول الراهن  العربي وآفاق المستقبل. يعكس القاعدة و يخالف التاريخ وقوانينه الصارمة.
 ولأنه كاتب كبير يعلم أن  الوقوف  على شرفة الحاضر و الإطلالة  على آفاق المستقبل يتطلب العودة إلى الماضي من اجل التأسيس و إعادة  القراءة  لفهم  الراهن و التبشير بالمستقبل .
لكن الفلاسفة   الألمان الذين قدّموا للبشرية أعظم النظريات في فلسفة التاريخ   حذرونا شديد الحذر من القراءات المغلوطة للتاريخ لهذا تركوا لنا وصية تقول: من يرمي الماضي بحصى يقصفه المستقبل بالمدافع
 الكاتب الكبير لا يولي أهمية  لهذه  الوصية  ولا يكتفي برمي الماضي بحصى ، بل يدك الماضي و الحاضر  بقصف مدفعي مكثف يجعله يرى تاريخ العرب المعاصر مجرد انتقال  من سايكس بيكو  القديم  إلى سايكس بيكو جديد ، مجرد استبدال الخرائط القديمة بأخرى جديدة بمواصفات جديدة.  وبناء عليه « ما نراه الآن ليس الربيع العربي تهب نسماته علي المنطقة, وليس مجرد عاصفة تقتحم أجواءه برياحها وغبارها وعتمتها, إنما هو إزاحة وتصفية وكنس بقايا مشروع نظام عربي. ما نراه مشروع قومي يتهاوى.
هكذا يختزل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الربيع  العربي ، إنه سايكس بيكو جديد  وجغرافيا جديدة  وجثة عربية  هامدة .  إنها الفكرة المركزية و المحورية في المقابلة، إنها الرسالة المشفرة التي يريد أن يوصلها لنا من خلال مقابلته مع الأهرام. ومن يفك رموزها يجدها تقول أن صاحبه جمال عبد الناصر لم يهزم في 67 إنما أنتم الأجيال العربية الجديدة من تقودون الهزيمة وتبيعون الأوطان في مزاد علني
ورغم ذلك لا نستعجل ونطلق الأحكام الجاهزة وربما المغرضة، قد تكون للرجل مسوغات ومستندات. لكن قبل ذلك  وحتى نحسن الفهم  ولا نتسرع نتساءل ،عن أي مشروع قومي يتحدث  هيكل ،ألم يسقط مع هزيمة  67  ،ألم يصل ركعتين ،وقتها ،الشيخ   شعراوي  على روح المشروع القومي  شاكرا ربه   على هزيمة القوميين والشيوعيين  والماركسيين و البعثيين و الديمقراطيين والعلمانيين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم . ألم ينشأ بعد الهزيمة مباشرة  سنة 68 الحلف الإسلامي بقيادة  أعتى  رجعية عربية  .  ألم تتوال سلسلة من الانقلابات العسكرية بإيعاز من أجهزة المخابرات الأمريكية.
لكن الكاتب الكبير، وهو  المنظّر  لتلك المرحلة   ومؤلف أدبياتها و  منطلقاتها  النظرية  ،ممثلة في "الميثاق" و"فلسفة الثورة " يرد على تساؤلاتنا  " كل المشروعات التاريخية ألكبرى، وفيها المشروع الأمريكي وفيها المشروع الأوروبي وفيها المشروع الآسيوي وغيرها خاضت الحروب, وتلقت الضربات, وتحملت النكسات,لكن مشروعاتها   بقيت"
مرة أخرى نساير منطق هيكل ونتساءل ماذا بقى من المشروع القومي المهزوم، والأهم من كل ذلك ما هي نتائجه القومية؟  يجيب هيكل بكل وضوح و بثقة كاملة « إن المشروع العربي ذاته بعد ضربة67 استعاد إرادته وقدراته, وخاض معركة سنة1973,
 في حدود ما نعلم الحروب تقاس بنتائجها السياسية وحرب 73 على عظمتها انتهت إلى التسوية، نقيض   المشروع القومي التحرري الذي يتحدث عنه هيكل. ذروتها كانت الردة    الساداتية  على كل ما هو قومي وتحرري، تراثا ورموزا . بدءاً بضرب القطاع العام وانتهاء بالتحالف مع القوى الأصولية التي عبّدت الطريق إلى الاستبداد و الفساد   حولت مصر ومن ورائها الأمة العربية   إلى مزرعة واسعة   يتوارثها الأبناء بعد الآباء.
أما ما نشهده الآن من حراك سياسي تقوده أجيالا عربية جديدة  إنما هي انقلاب جذري على الردة ، انقلاب على الاستبداد السياسي  والفساد المالي  و التهميش  الاجتماعي  .  فهي ليست استمرارا لمشاريع التسوية والاستسلام كما حاول أن يوهمنا الكاتب الكبير،
وإذا وجد من سماه ربيعا عربيا  تفاؤلا  فالجميع يعلم أن الربيع العربي محفوف بمخاطر كبيرة داخلية وخارجية   فلم أسمع  أحدا قال  أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما ، الجميع يعلم  أن  المخاض عسير جدا والولادة أعسر .و إذا كان للاستعمار إستراتجيته فللشعوب العربية حساباتها   . سمع





mercredi 26 octobre 2011

الجهل ليس وجهة نظر



  في مقابلة مع  التلفيزيون الفرنسي  للفيلسوف الفرنسي الراحل ميشال فوكو فاجأ الصحفي،  الفيلسوف بسؤال لم يكن يخطر  على باله  كان ذلك بمناسبة الحديث عن كتابه" أركيولوجيا المعرفة" سأل الصحفي الفيلسوف عن تاريخ دخول الرضّاعة الصناعية     biberon إلى فرنسا، فابتسم الفيلسوف ،ولأنه ليس  مدّعي اعترف أنه يجهل ذلك وشكر الصحفي على سؤاله  ووعده أن يخصص وقتا  لبحث هذه المسألة الطريفة   تذكرت  الفيلسوف ميشال فوكو   وأنا أشاهد   أحدهم  في  إحدى الفضائيات العربية يقول كلاما  ما أزل الله به من سلطان إلى حد نسب كتاب  لغير مؤلفه كنت أعتقد  أنها زلة لسان  لكن الرجل كررها أكثر من مرة  وما أدهشني  الثقة الكبيرة التي كان يتحدث بها .
ولا حول و لا قوة إلا بالله


lundi 17 octobre 2011

مصر : هل تتحول دور العبادة إلى حصان طروادة


تشهد مصر هذه الأيام سجالا واسعا  بين النخب الفكرية و السياسية على صفحات الجرائد ،تسهم فيه أسماء كبيرة  لها وزنها الفكري  و السياسي، حول الأحداث الطائفية الأخيرة  التي راح ضحيتها  عشرات  من شباب مصر. ،بسبب هدم  كنيسة في إحدى القرى المصرية. 
ذلك السجال ذكرني  بقصة الفيل و العميان، حيث تقول القصة أن مجموعة من العميان  طُلب منهم وصف فيل،فمسك كل واحد منهم عضوا  من الفيل وراح يصف العضو  بوصفه الفيل بكامله، من يسمك الخرطوم يصف الخرطوم  وكأنه الفيل بكامله ، و من يمسك   الذيل يصف الذيل وكأنه الفيل بكامله، ومن  تمتد يده إلى عضو  أخر، يمسك به  مسك عزيز مقتدر فيصفه وصفا دقيقا بوصفه الفيل بكامله .
هذه القصة نتسحب على الكثير مما قرأته حول تلك الأحداث الدامية. دون التوقف عند بعض  المقالات التي هي أقرب إلى النواح . هذا فضلا  عن مقالات " النسوان "التي لا تتعدى كونها صراخا وعويلا  و"ولولة".
 أما الكاتب الكبير  محمد المخزنجي في مقاله الموسوم " كيف نمحو العار "  بجريدة الشروق، فلم يستخلص من تلك  الأحداث و شلالات الدم  و المدرعات  التي كانت تحصد أرواح البشر  و الأزمة الدينية الطاحنة  التي تكاد تعصف بمصر دولة ومجتمعا ،إلا تلك القصة الرومانسية،أو السريالية  ، قصة تلك الفتاة التي حاولت إنقاذ حبيبها من تحت المدرعة" وكان يقول لها وهو يمسك يدها ما " تسبينيش" .
 لكن ما استوقفني و استرعى انتباهي وجعلني في حيرة من أمري ، إسهام الكاتب  الإسلامي الكبير  فهمي هودي . في مقاله اليومي بجريدة الشروق حول الأحداث ، الموسوم "  أسئلة الصدمة المعلقة  " كنت انتظر تحليلا معمقا  لمسألة تؤرق مصر و المصريين ، أو عل الأقل الإشارة إلى بعض مكامنها  وخلفياتها    الفكرية  و الدينية و تداعياتها  السياسية .غير أن الكاتب نحى بها منحى آخر، لا لقصور نظري و لا لعجز سياسي، إنما بدا لي التزام فكري وارتباط أيديولوجي واختيار سياسي أفقده الكثير من المصداقية الفكرية والنزاهة السياسية.
لقد تحول الأستاذ فهمي هويدي من كاتب وباحث  في  الشأن الإسلامي إلى مهندس معماري وخبير زلازل، حيث تساءل  في مقاله ،ليس لماذا هُدّم  مكان عبادة ؟ ،إنما كيف هُدِمت، وراح يشرح  الأسباب التقنية و القانونية . لكن قبل ذلك تساءل في بداية حديثه وبطريقة فيها الكثير من الدهاء و الخبث ،إن  كانت الكنيسة تملك ترخيصا أثناء البناء. بعدها خلص إلى نتيجة  كانت متضمنة في المقدمة، مفادها  أن  البناء تم بدون ترخيص، وأن تلاعبا وتدليسا  تم في إصدار الترخيص .
لقد قلب الأستاذ هويدي  المشكلة رأس على عقب وجعلها تسير على رأسها بدل قدميها  فلم تعد مسألة هدم دار  عبادة ، إنما أصبحت مسألة  ترخيص  وتدليس. فيكون بذلك قد قدم  مسوغات هدمها،  وأعطى صك غفران لهادميها.كما  أن سياق حديثه ينطوي أيضا على تهمة، لا غبار  عليها واضحة وضوح الشمس موجهة، إلى الجهات صاحبة التدليس التي يعنيها بناء الكنسية  ولاعتقد أن  الجهاديين أو السلفيين هم بناة الكنائس  .إنها تهمة من كاتب يقال عنه متسامح،  تزيد  الطين بله  و  تقود إلى المزيد من الانغلاق والتعصب الطائفي  
ما هكذا تورد الإبل، هكذا قالت العرب قديما لمن لا يحسن القيام بعمله، وهكذا يجب أن تقال لمن أعوج قلمه و أجره بثمن بخس، وما أكثرهم هذه الأيام. أما من جعل قلمه ينطق باسم الأموات فهذا لا يعكس قوة الأموات وقدرتهم على الإجابة عن أسئلة الأحياء، إنما يعني موت الأحياء. 
 مصر  لا تعاني أزمة  طائفية ، إنما تخلفا تاريخيا، تخلفا  تجلى بأشكال مختلفة وتداعيات متنوعة   سياسية، ثقافية  اجتماعية اقتصادية. دينية  . بهذا المعنى الأزمة الطائفية نتيجة وليس سببا، نتيجة التخلف و ليس سبب التخلف،ومن يجعل النتيجة سببا فقد ظل سواء السبيل . من هنا فإن حل  هذه الأزمة حلا تاريخيا وصحيحا يتعذر بدون طرحها ضمن حل المسألة التاريخية ،أي ضمن  حل المسألة الوطنية الديمقراطية ،بعبارة أكثر وضوحا  المسألة القبطية هي جزء من الكل الوطني وحلها الحقيقي، وليس الزائف و المؤقت، يمر عبر حل الكل الوطني . هنا يكمن الفرق بين  الحل الوطني الديمقراطي  و الحل غير الوطني الذي ينظر  إلى المسألة بمعزل شرطها التاريخي و سياقها الوطني الذي لعب دورا سلبيا في مراحل مختلفة في حياة مصر السياسية .مستغلة ظروف مرت بها مصر فطرحت تلك الفئات مطالبها الخاصة على حساب المجموعة الوطنية . ودافعت عن التوريث  في  إطار صفقة   كانت على حساب الشعب المصري  وعلى حساب تطلعاته  وعلى حساب دور مصر التاريخي .كما طورت قبل ذلك  أفكارا دينية انعزالية   وقيما  ثقافية  كانت أرضيتها وخصوصيتها في تاريخ مصر ما قبل الإسلام . لتجعل منها مرجعية لمصر بكاملها  تبعدها عن محيطها  الحضاري الطبيعي و الطليعي .
 إن الهدف من ذلك كله  هو أضعاف الدولة ودورها وهذه  إحدى  المرتكزات الفكرية للأقليات في الوطن العربي  التي ترى  تحقيق حقوقها  يتعذر في ظل دولة قوية وشرعية لهذا يعد إضعاف الدولة  وإنهاكها مهمة" نضالية"  من اجل تحقيق مطالبها الخاصة . وهذا ما نشهده في مصر هذه الأيام  التي تمر بظروف خاصة  ووضع خاص  وفي وقت يتحرك  فيه الشعب المصري وقواه الحية  من اجل بناء دولة قوية وعصرية تقود إلى مصر جديدة وعصرية ، تحركت  تلك القوى الطائفية و هي غير مبالية بكفاح الشعب  المصري،  من اجل تحقيق مطالب طائفية  مستغلة الوضع الدولي الذي يراهن على الكثير من القوى المحلية  باسم   حقوق الإنسان وحقوق  الأقليات  وحقوق النساء ليجعل منهم جسر عبور  وأداة اختراق  
 إن من يتشبث  بهذه  الأفكار الانعزالية ، وفي إطار طرح غير وطني وغير ديمقراطي  وخارج المجموعة الوطنية  ومهما ذهبت به الأوهام بعيدا  حول نفسه وحول مجموعته  سوف يجد نفسه لا محالة يطرق أبواب الاستعمار  وأجهزة المخابرات الدولية فتجعل منه حصان طروادة  .  


vendredi 14 octobre 2011

العرب : من بناء مساجد الجكارة إلى هدم كنائس النصارى



   
كان سدنة الأصنام في مكة  يقفون بجوارها بلباسهم الأنيق والجميل،   يقومون  بسرد تاريخ كل صنم بشكل بديع  وجميل  ويقصون أحسن القصص  كنوع من جذب المصلين للصنم وإقناعهم بألوهيته .
لقد جعلوا  من المحفل الديني مناسبة فكرية  وثقافية، فطوروا الخطابة وفن الإلقاء وارتقى البيان العربي وقيمه الجمالية و الفنية ،  مستندين في ذلك  على فطرة العربي في ألحكي و السرد  التي تعد جزء من نسيج  الوجدان العربي،   لهذا قيل عبقرية العرب  في لسانهم ..
لقد ذكرني بالعرب الأموات، الأحياء منهم . وما نشهده هذه الأيام  من ممارسات بشعة بلغت حد تهديم المعابد  فوق رؤوس أتباعها.  ممارسات يحلو للبعض وصفها  بالجاهلية . وهي تسمية  أيديولوجية وليس معرفية . 
إن عرب ما فبل الإسلام  الذين أبدعوا المعلقات ،  وأبدعوا نصا حضاريا به ومعه أصبحوا من صناع التاريخ وسادته، لم يشيدوا أصنام الجكارة ولا هدموا معابد اليهود و النصارى  الذين كانوا جزءا من  نسيج جزيرة العرب .   
 لا أتوقف عند العرب العاربة ولا عند العرب المستعربة . ولا  عرب تايوان  و الشعوب الخشنة  التي أصبح   دأبها وديدانها   الإساءة للمروءة العربية الأصيلة.أتوقف فقط عند مسجد الجكارة بمدينة حلب، والجكارة  هي مرادف للمفردة الجزائرية "الزكارة " إنها تحمل نفس المعنى و الدلالة.
 سمي مسجد الجكارة  من طرف العامة  لأنه ببساطة بني بمنطقة  تسكنها أغلبية مسيحية وداخل حي  لا  يسكنه مسلم واحد، وسكانه جميعهم مسيحيون .  وإمعانا في  الجكارة و الاستفزاز   بني المسجد بين  كنيستين  وبأربعة مآذن  وكل مئذنة  زودت بمجموعة من الأبواق تهز  جدران الكنائس عند انطلاق صوتها .  وعند  آذان الفجر،  الذي لا يحظره  أحد  ،و بمآذنه الأربعة و أبواقها المدونة   يستيقظ الأطفال الصغار قبل الكبار  مذعورين حائفين .
 و المسجد اسمه  الحقيقي مسجد التوحيد ، وهذه التسمية ليست صدفة أيضا، فهي تفوح منها رائحة الطائفية في إشارة واضحة لدين عيسى الذي يقوم على التثليث والتجسيد، عكس دين محمد الذي يقوم على التنزيه والتعالي و الوحدانية الصارمة.
أما  في الشقيقة مصر  لقد  أصبح هدم  كنائس "النصارى" هواية  إخوانية  ودعاية انتخابية  ولعبة مخابراتية . ولما  يتحرك المسيحيون لحماية دينهم ومعابدهم  و مطالبين ببعض الحقوق  وليس كلها ، فالتهمة جاهزة ومعروفة ، العمالة والخيانة  و الاستقواء  بالخارج .و لما نقول للأشقاء أن الاستقواء بالخارج نتيجة منطقية لهشاشة البنيان الذي لم يعد مرصوصا  ولم يعد يشد بعضه بعضا . عند هذه   النقطة تبدأ تدور الأسطوانة المشروخة، أسطوانة، عنصري الأمة. التي تكشف عن ضعف علمي قبل الأيديولوجي،  تكشف غياب الفهم  العلمي لكيفية تشكل الأمة وهي ظاهرة سوسيولوجية معقدة .
وفي هذا المقام فإن الحديث عن عنصري الأمة ، تعبير صريح عن أزمة وليس علامة على وضع صحي كما يعتقد البعض. إنه يعني، فيما يعني، أن مصر بتاريخها العريق وثقلها الثقافي و الحضاري عجزت عن تحقيق الاندماج القومي الذي يعد شرطا لبناء الدولة العصرية.
هل سمعنا أي أمريكي يتحدث عن عنصري الأمة أو عناصر الأمة عن الشعب الأمريكي الذي يعد شعبا لقيطا بالمعنى التاريخي، لأن أمريكا استطاعت أن تحقق الاندماج القومي في ظل دولة المواطنين و المواطنة. أما نحن لازلنا رعايا وليس مواطنين.
أما كيف نتحول من وضع الرعية و الرعايا، إلى وضع المواطنين والمواطنة. فذاك يحتاج إلى سيف حاد يقطع، بلا رحمة ولا شفقة، جميع الشرايين الميتة فينا وهي كثيرة وكثيرة جدا ، لكن دون أن يمتد ذلك السيف إلى شرايين القلب النابضة . وهذا يحتاج إلى جراحين مهرة، جراحين يتعاملون مع هذا الجسد العربي الجريح بحب وعشق.     



mercredi 12 octobre 2011

عندما تلوّح بثينة شعبان بسيديات البورنو




 بعد  ما أصبحت  نجاح العطار  وزيرة الثقافة  أيام الأسد الأب " طلعت" نكتة   تقول أن نجاح بعدما أصبحت وزيرة امتنعت  عن  تأدية واجبات السرير ، طبعا، الشرعية  ما أضطر زوجها ، ماجد العظمة  وهو عميد بالجيش أن يشتكيها لحافظ الأسد .فاتصل حافظ الأسد  بالوزيرة مستفسرا،  فقالت له سيدي الرئيس أنا متفرغة طول اليوم  لنشاطي الوزاري وفي المساء أعود للبيت هلكانة. فرد عليها  حافظ الأسد بنبرة حادة قائلا : وينك نجاح، هلكانة و اللا  مش هلكانة ، مع حافظ الأسد مافيه وزير ما بيتناك .
هذه المقولة الخالدة  أصبحت عقيدة راسخة  و متبعة من طرف المخابرات السورية   فلا تعيين لوزيرة   أو وزير إلا لمن  كان يتحلى بتلك الصفة. وهذا الدرس" بصمته بصما "خليفتها على رأس وزارة الثقافة، مها قنوت،
فكانت أول مهمة قامت بها بتكليف من المخابرات طرد المفكر و الفيلسوف وشيخ المثقفين السوريين  أنطون مقدسي  من وزارة الثقافة  وبطريقة مهينة ومذلة  لرجل خدم  الثقافة و الفكر من خلال إشرافه على مديرية التأليف و الترجمة بالوزارة وكان متعاقدا وليس موظفا لقد أهانته أمام جمع من الموظفين وهو في أرذل العمر
لأن  الفيلسوف تجرأ  وبعث برسالة إلى الرئيس الجديد طالب فيها بتحويل الشعب السوري من وضع  الرعية  إلى وضع المواطنة.
و وفاء لروح الفيلسوف لا بأس من العودة  إلى بعض مقاطع الرسالة  .
. سيدي :
"اسمح لي أن أهنأك بالرئاسة الأولى ، و أيضاً بكلمات وردت في بيانك ، (احترام الرأي الآخر ترجيح وجهة نظر الدولة على وجهة نظر الزعامة.
إنها بداية لدرب طويل إذا سلكناه يمكن أن ننتقل تدريجياً من البداوة و الحكم العشائري الى حكم القانون و بداية الدخول في القرن الواحد و العشرين .لقد كفانا يا سيدي من الكلام الفضفاض :مكاسب الشعب ، انجازات الشعب ، ارادة الشعب .الشعب غائب يا سيدي منذ زمن طويل ، ارادته مشلولة تقوم اليوم على تحقيق هدفين :
الأول: و على الصعيد الخاص ، أن يعمل ليلاً نهاراً كي يضمن قوت أولاده .
الثاني :و على الصعيد العام ، أن يقول ما يطلب منه قوله ، و أن يتبنى السلوك الذي يطلب منه : مسيرات ، هتافات ...).إن الذي يعصم هذا الشعب من الدمار ، هو أنه يتعايش مع هذا الوضع المتردي تعايش المريض مع مرض مزمن ....الوضع العام ، و باختصار يا سيدي : انهيار عام ، سياسي و اقتصادي و أيضاً ثقافي و انساني .
إن الشعب بحاجة بادئ ذي بدء ، أن تعود إليه ثقته بنفسه و بحكومته-و الاثنان واحد – و هذا ليس بالأمر السهل ، فقد يحتاج الى سنوات من أخذ الرأي الآخر بالاعتبار،كما قلت،و من ثم يتحول تدريجياً من وضع الرعية الى وضع المواطنة .
أتمنى لك يا سيدي التوفيق في السير على درب محفوفة بالمزالق من كل الأنواع .
و تفضل بقبول فائق احترامي"
هذه النصيحة من مفكر وفيلسوف  عدتها  المخابرات تجاسر ما بعده  تجاسر  فكلفت مها قنوت بالقيام  بالواجب فلم تقصر  .
و اليوم لما تهدد بثينة شعبان  الخليجيين  إذا اعترفوا بالمجلس الوطني السوري  و تلوّح بأنها تملك سيديات بورنو لأمراء خليجين  أو كما  وصفتهم بالحرف، العرصات الخليجيين . سيديات بالصوت و الصورة لفضائح جنسية سجلتها المخابرات السورية  لخليجيين في بلاد الشام داخل فنادق فاخرة وبيوت مفروشة .  
 إن بثينة شعبان  وهي  تلوّح بتلك السيديات الفاضحة  تعد أحسن من يتكفل بهذه  مهمة النضالية والتاريخية وتواصل تقليدا سار على دربه رفيقات لها .


  



dimanche 9 octobre 2011

إلى صديق تونسي حتى لا يصبح جلادا





في يوم في شهر في سنة، كنت برفقة صديق جزائري في انتظار صديق سوري مشترك ليرافقنا إلى الحدود السورية اللبنانية ويؤمن لنا اجتياز الحدود و المرور إلى بيروت عن طريق الخط العسكري .
سوريا لا توجد بها سفارة لبنانية و السوريون يتوجهون إلى لبنان بالهوية، أي ببطاقة التعريف. أما أنا فعلي العودة إلى سفارة لبنان بالجزائر.كان ذلك مشوارا طويلا لهذا اختزلناه عن طريق المعارف و الخط العسكري.
رافقنا الصديق اسكندر إلى غاية الحدود  و " توصى فينا  عند الشباب "  الذين كان يعرفهم ، ثم عاد أدراجه .حيث  لا تبعد الحدود عن العاصمة  دمشق أكثر من ثلاثين كلم ، نعم ثلاثون كلم من دمشق  إلى شتورة أول قرية لبنانية . هكذا أرادها  سايكس بيكو، وهكذا  أصبحنا نقدس حدودا   رسمها لنا دبلوماسيو بلاد بعيدة .
الصديق اسكندر زميل دراسة، شاب  علوي فقير كنا نزوره أنا وصديقي في غرفته فوق السطوح  كما يطلق عليها  أشقاؤنا المصريون.أما "الشوام " اختاروا لها مفردة أكثر لباقة  فسموها  "ملحق ". وكثيرا ما كنا نجد غداءه أو عشاءه ،رز باللبن.
رغم   الفقر و العوز و الحاجة ظل اسكندر  على درجة من الاستقامة والشرف و النزاهة ،مثل الكثير من العلويين الذين تعرفت عليهم . لم يكن معارضا للنظام ، لكنه لم يتورط معه ، ظل بعيدا عنه وعن امتيازاته وكان بوسعه ذلك .  
بعد حصوله على درجة الماجستير هاجر إلى استراليا مع تلك الشابة،التي قاسمته صحن الرز واللبن .
سألته لماذا  الهجرة ؟ وقتها كان الصراع بين  النظام و الإخوان المسلمين  في ذروته ، كان رده مؤلما  يختزل كل الوجع العربي ،قال: إذا ظليت فإنني أحسب على  نظام لا تجمعني به أية صلة ،  وإذا وصل الإخوان إلى السلطة سوف يعاقبونني لأنني علوي .
كانت المرة الأولى التي ازور فيها لبنان، وأقف وسط شارع الحمراء، لم تكن الحرب الأهلية قد وضعت أوزارها بعد. بدت لي بيروت حزينة كئيبة شاردة وخارج الزمن. زادتها بؤسا  . منظر حاويات الزبالة، ومنظر المولدات الكهربائية   المتناثرة   أمام المحلات وضجيجها المزعج،  وقضى على ما تبقى من جماليات الحمراء.
مرت الليلة بسلام إلا من بعض الطلاقات الخفيفة، وفي الصباح توجهنا ،كعادة الجزائريين، إلى  المقهى كانت معنا صحف الصباح. تقدم النادل ، أعدنا على مسامعه الطلب  الأبدي الذي يحفظه كل جزائري عن ظهر قلب  وبتسلسل : كرواسون ،كافي كريم ، كافي نوار  . و البعض يضيف" قرعة قازوز .بعدها تناولت جريدة السفير . التي كنت من قرائها الأوفياء وما زلت، أما صديقي، سعدي، كان يتصفح جريدة أخرى لم أعد اذكرها. بجانبي على الطاولة" الكافي النوار"  وعلبة  المارلبورو،  وقتها لم أكن قد انقطعت عن التدخين بعد.
وأنا أتصفح الجريدة وبيدي السيجارة  وقعت عيناي على الفاجعة ، الميلود ،مات ؟نطقتها بصوت عال  إنه الشاب التونسي القادم من عمق الجنوب ، لم  أكن اعرفه حق المعرفة شاهدته مرة واحدة مع شباب توانسة. 
كان نعي طلال سلمان للميلود كما لم ينع أحدا من قبله ، نعيا يقطر دما ودموعا .
الميلود جاء من عمق الجنوب التونسي ليموت  داخل أرض فلسطين . لقد اخترق بطائرته الشراعية التي كان يقودها ،جدار  الفرانكفونية  و الإقليمية  و الشوفينية الضيقة والعصبيات  الملوثة  بعصاب مثقفيها. تخطاهم جميعا وحلّق في أجواء عالية يحمل على جناحيه آمال الأمة وأحلامها.  قاد طائرته الشراعية من الجنوب اللبناني ومعه مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين والسوريين أرادوها معركة قومية وملحمة عربية   امتزج فيها الدم العربي على أرض فلسطين.
 وأثناء عودة البطل  بطائرته الشراعية  بعد عملية ناجحة  على  معسكر( غيبون ) أو ما يطلق عليه معسكر الأبطال سقطت الطائرة  فوق مرتفعات الجنوب اللبناني وظل يقاتل موقعا في صفوفهم عددا من القتلى  إلى أن نال الشهادة .
علاقتي بالتوانسة كانت محدودة إن لم تكن منعدمة ،وهذه ظاهرة جزائرية ، هل يعود إلى الطبع ، أم الأحكام المسبقة ، أم هو الغيتو و القوقعة التي  تجعل الجزائري،  إذا أحل ببلد يعزل أهلها ويجعل منهم أقلية  ثم يتهمهم بالعنصرية .
لا اعلم بالضبط كيف تعرفت على شابين تونسيين كانا يدرسان بكلية الحقوق بجامعة دمشق هل هي الصدفة أم الجيرة بحي ركن الدين، بالقرب من جامع صلاح الدين الأيوبي. كان أحدهما ملتحيا وهي خليط من اليسار والقومية العربية وكان الأكبر سنا ونضجا واتزانا وتجربة وعمقا وهدوء. وزهدا  وصاحب تجربة سياسية داخل تونس التي جاء منها هاربا من حكم أصدره في حقه نظام بورقيبة بسبب نشاطه وعلاقاته مع المقاومة الفلسطينية. ولقد ظل وفيا لقناعاته ولمبادئه كما ظل يمارس نشاطاته وهو في دمشق رغم الأخطار  . وكان محل احترام  وتقدير  من التوانسة  الدارسين  بجامعة  دمشق .أما الثاني فلا تنقصه تلك الخصال، لقد جاء هو أيضا  هاربا من تونس بسبب نشاطاته  السياسية داخل الجامعة  وانتمائه للجماعات  التروتسكية   المحظورة .  لكنه  كان  أكثر اندفاعا وتسرعا. وحماسا ما جعل سلوكه اقرب للجزائريين وبالفعل لقد عرفت فيما بعد أنه من سكان المناطق الحدودية وأخواله من سوق أهراس.
  كانا صديقين  للميلود وقد شاهدته بصحبتهما . كما اخبراني، وهما متأثران كثيرا ،  أنه قدم قبيل استشهاده  إلى دمشق   ووجه دعوة  إلى  جميع  أصدقائه التوانسة لعشاء وأصر على حضور الجميع  وكانا  من ضمن الحضور  ولم يفهما سر إصراره   وسر سهرته  الطويلة معهم  إلا بعد استشهاده . لقد كانت دعوة الوداع الأخير .مثلما ودعتهما أنا  أيضا  قبل ربع قرن  .واليوم تحديدا 09/ 10/ 2011   صباحا   وأنا جالس أشرب" الكافي نوار " هذه المرة في الجزائر و ليس بيروت و أشاهد   قناة الجزيرة ولا أتصفح جريدة السفير. شاهدت صديقي القديم  على قناة الجزيرة  بعد ربع قرن  ،لكن بدون لحية و قد عين وزيرا   معتمدا  لدي وزير الداخلية مكلفا  بالإصلاحات  . هل يظل محمد الأزهر العكرمي وفيا ومخلصا لروح  الميلود   أم  يصبح مستشارا للشرطي الأول ؟