mardi 20 septembre 2011

العلمانية التي أثمرت خير النساء


ا
             مقال نشر بجريدة الخبر الأسبوعي  بعد أول فوز للإسلاميين في تركيا
        وبعد زيارة الخاقان  الأخيرة  وتصريحاته حول العلمانية  بدا لي أو تهيأ أن المقال لازال يملك راهنية
                                                   
العدد  469 فيفي2008
             


ليس من السهل تناول التجربة التركية ،بل لا يجوز علميا ، تناول مسيرة ثمانين حولا في أسطر معدودات فهي تحتاج إلى بحوث معمقة تتكفل بها مؤسسات بوصفها أول تجربة علمانية في عالم الإسلام.لازالت إلى يومنا مثار جدل واسع، بين من يرى انجازاتها أوصلت تركيا إلى بر الآمان، و من بدا له بنيانها يتهاوى بسب هشاشة الأسس التي بنيت عليها ، بعد ما وطأت قدما خير النساء بحجابها المصمم بعناية فائقة، رأس الدولة برفقة زوجها الغول .
و بين هذا وذاك من يرى أن هذه أحكام معيارية تفتقد إلى العمق التاريخي وقوانينه الصارمة التي أثمرت هذه التجربة بكل انجازاتها و إخفاقاتها وتداعياتها
لهذا كله لا نطمح ، في هذه الأسطر ، أكثر من طرح جملة من التساؤلات لأننا معنيون مباشرة بهذه التجربة بخاصة بعد فشل معظم التجارب التي عرفتها بعض الأقطار العربية من بينها تجربة الإسلاميين في بلادنا. فتحولت أنظار الكثير من المهتمين و الباحثين و المفكرين العرب إلى التجربة التركية لعلها تكون عامل استلهام أو حتى تبني بعض صيغها .
لهذا تزداد أهمية تناول التجربة التركية لبناء موقف فكري بعيدا عن روح الإدانة أو التمجيد لأن الكثير من الإجابات، هي أقرب إلى الهتافات تفوح منها رائحة التشفي أبعدها عن التحليل الموضوعي، بخاصة من هم محسوبون على التيار الإسلامي. لا يضاهيهم إلا أولئك المتحسرين الذين بحوا من مناجاة العسكر لإنقاذهم من فلول الرجعية و بقايا سلالة آل عثمان. كما رددوا في شعاراتهم، التي تنطوي على الكثير من الأنانية و ضيق الأفق وعدم التبصر. فلم يعودوا يبصروا في تركيا كلها، سوى ضريح أتاتورك الذي حولوه إلى شيخ طريقة متوسلين متضرعين لإنقاذهم من الهول القادم .
إن التجربة التركية ، في تقديرنا ، لا يمكن عزلها عن تلك الحركة الكبرى التي عرفتها الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر، التي أصطلح على تسميتها بالنهضة، بعد صدمة الحداثة التي زعزعت التماسك الفكري و الأيديولوجي للإمبراطورية بما فيها الولايات العربية .
لقد عرفت تلك المرحلة، محاولة كبرى للاستجابة لنداء التاريخ للشرق ، بعدما حسم الموقف في الغرب لصالح الحداثة ومشروعها الكوني الكبير القائم على الدولة الأمة. هذا المفهوم الأخير كان له، أكثر من غيره، بالغ التأثير على جميع الحركات الإصلاحية التي عملت على الارتقاء بتاريخ الشرق من دولة الخلافة إلى الدولة  القومية العلمانية العصرية.
ونظرا لحداثة المفهوم  فقد  اكتنفه الكثير من الالتباس لما رأى فيه البعض مطلبا يلبي احتياجا خارجيا يعجل بالقضاء على رجل أوروبا المريض لاقتسام تركته ، بخاصة لما تبنته نخب فكرية عصرية محلية من خارج الذاتية الإسلامية وفر لها وضعها الاجتماعي الاطلاع على أوروبا وعلى العالم الحديث فحسموا أمرهم واقتنعوا أن لا مناص للإمبراطورية إلا العالم الحديث أو الانقراض ..
ضمن  هذا  المنعرج التاريخي الحاسم  عرفت الإمبراطورية صعود حركات قومية مختلفة تسعى للانفصال والاستقلال و تصفية الحساب التاريخي مع مركز الخلافة التي كانت تتعامل مع القوميات بتعالي وفوقية ورعونة عرقية . تجلت بوضوح  في سياسة التتريك و الصعود القوي للقومية الطورانية التي كانت خالية من أي مضمون حضاري أو إنساني و لم تتمثل أي مشروع فكري وهذا يعود أساسا إلى كيان الدولة العثمانية التي قامت على أيديولوجية الحرب و المحاربين ،مما جعل القومية الطورانية تطور لاحقا مواقف عنصرية معادية للأجانب مركزة على العنصر العربي . فاستنهض   المكبوت في الوجدان العربي مذكرا الأعاجم أن العرب هم حملة وحماة  وحاملي  رسالة الإسلام ، و أن النبي عربي و القرآن عربي والدعوة موجهة أساسا للعرب. هذه المفردات ذات الرنين القومي، امتدت حد التشكيك في خلافة آل عثمان.ذلك كان ردا على سياسة التتريك وإبعاد العنصر العربي من عضوية المجتمع و إقصاء اللغة العربية التي أصبحت لغة الأهالي و حلت محلها اللغة التركية  التي  أصبحت لغة السلاطين و النبالات العسكرية . و أصبح ينظر إلى العرب، و معهم  دينهم ، دخلاء ، تحت ضغط القومية الطورانية وجمعياتها وأحزابها المختلفة التي لم تقف عند حدود العنصر العربي ، بل امتدت لتشمل حضارتهم  وتاريخهم  وثقافتهم   ،بخاصة بعد ما تحول الإسلام على يد الفقهاء العثمانيين إلى جملة من المأثورات التقليدية تكرس الجمود و الفوضى وتمجيد السلاطين وتعدهم ظل الله على الأرض .
في ظل هذا المناخ الفكري  الشوفيني المعادي للأجانب تشكلت القومية التركية وأخذت خصائصها وملامحها العامة. و ضمن هذا المزاج القومي المتطرف انغلقت على نفسها معتبرة ارتباطها بالعرب والإسلام و الخلافة سبب تخلف تركيا . ما  جعل النخب التركية الجديدة تولي وجها شطر الغرب ومؤسساته العصرية مؤكدة ارتباطها القومي أكثر من ولاءها الإسلامي.
إنه المناخ ذاته، الذي نشأ وترعرع ،و من منابعه ارتوى كمال أتاتورك .لقد وجدت فيه القومية التركية الصاعدة تتويجها و ذروتها بوصفه جنرالا منتصرا في حرب ضد أعداء تركيا، فتحول الذئب الأغبر ،كما كان يلقب أتاتورك ، القادم من جبال الأناضول ، إلى بطل قومي و رمز الأمة وحامي وحدتها القومية والقائد الضرورة الذي تجلت فيه روح الأمة و أيديولوجيتها القومية التي لبست لبوسا علمانيا.
هذه العوامل المتداخلة وغيرها  شكلت خصوصية القومية التركية و أيديولوجيتها العلمانية التي كانت تشبه قيادة أركان حرب. خاضت حروبا ، سابقا ،ضد الأعراق و القوميات و الأجانب. و لا حقا ،بعدما أصبحت الأيديولوجية الرسمية للدولة التركية الحديثة ، ضد جميع التكوينات الاجتماعية ما قبل أمة ، وضد جميع البني التقليدية ،كما بذلت جهود مضنية لنسف جميع مؤسسات المجتمع التقليدي  كما  سعت إلى اجتثاث كل التصورات والأفكار التي شكلت العالم القديم ، و ممثليه من فقهاء و أئمة المساجد ومؤذنين بسطاء ،سحلوا إلى ساحات الإعدام، لأن هؤلاء المشعوذين ، كما كانت تصفهم لائحة الإعدام ،  يرددون كلاما مبهما يقولون أنه نزل من السماء.
.لقد أفرغ أتاتورك، وتلامذته من بعده ، العلمانية من أي مضمون ديمقراطي أو إنساني، كما لم تعرف  أي مضامين أخرى مثل حقوق البشر و حقوق الأقليات ، أو المواطنة و حق الاختلاف التي تعد ركائز أساسية لأي علمانية متحضرة، لأنها، إضافة لما ذكرناه في سياق نشأتها التاريخية ، زُرعت في أرض شرقية إحدى سمتها التاريخية الاستبداد و الطغيان . ذلك كله يشرح لنا ، حاليا، سر غياب تركيا فكريا وثقافيا

هنا تجدر الإشارة،  بل من الأهمية بمكان  التذكير ،أن العلمانية لا تحمل في ذاتها أي مضمون أيديولوجي، قد يكون العلماني يساريا، كما قد يكون يمينيا، أو قوميا متعصبا.كما قد يكون ممثلا لأكثر الأنظمة استبدادا وطغيانا.و قد يكون المتدين علمانيا. فهي تتلون بلون حاملها الاجتماعي .
هنا ينشأ تساؤل في إطار علاقة الخاص بالعام  .أو ما يسميه  البعض الخصوصية الحضارية و الحضارة  الغربية ،  هل تكون العلمانية  بالضرورة    صورة مستخرجة من الأصل الأوروبي  . وهذا يقودنا إلى تساؤل أعمق   : هل تُعد أوروبا و النموذج الأوروبي ،النموذج الأمثل للتقدم، وسقف التاريخ الذي يتحتم على كل شعب الامتثال لمشيئته ؟ أم أن للتقدم مسالك مختلفة قد لا يكون النموذج الأوروبي أفضلها ؟
إنه الرهان الذي يواجه إسلامي تركيا، ذلك مرهون بعوامل عدة من بينها ،أهمية وضرورة استثمار التجربة  التاريخية التركية.التي تحتاج وبدون شك إلى إدخال الكثير من التعديلات عليها .لكن ليس إلى حد القطيعة ،  فهي تعد قاسما مشتركا للشعب التركي و تراثا حضاريا للأمة التركية أغنت الهوية التركية بكثير من المضامين العصرية .
رغم أخطائها الكبيرة ،و برغم الدم و الدموع، تعد أول تجربة في العالم الإسلامي تخطت الكثير من العقبات و المعوقات التاريخية وقدمت إنجازات على جميع الأصعدة وضعت الأمة التركية في مقدمة و على رأس العالم الإسلامي .
إن الانطلاق من حاضر تركيا ،وليس من أدنى ،ومن منجزاتها الحضارية تعد ضمانة أساسية للتعامل مع منطق العصر وحقائقه العلمية و منجزاته الحضارية تكون أساسا ومنطلقا لصياغة مشروع حضاري إنساني مبني على قيم العدل والديمقراطية وحقوق البشر ، يستلهم من عظمة الإسلام و روحه العالية ، معاني المحبة و التسامح، و من قيمه الإنسانية الراقية، حرارة التضامن الإنساني و تعزيز روح الجماعة ،تضفي على التجربة التركية لمسة إنسانية انتظرتها طويلا، تُدخل الدفء و السكينة على روح أتاتورك وتطرد الأرواح الشريرة التي تحوم حول ضريحه .
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إن هذه التجربة الإسلامية وُلدت وهي ملفوفة بمخاطر متنوعة داخلية وخارجية .
إن من سكت من حراس الدار، وسمح لخير النساء أن تتبختر بحجابها، المدلل ،داخل ممرات و قاعات رأس الدولة . لم يسكت حبا و طواعية، لقد كان يلبي نداء خارجيا ،مرددا، دعوها إنها مأمورة .
إن عبد الله و الطيب و كل الطيبين الآخرين، بدون أدنى شك هم رمز الاستقامة و الشرف و الصدق، والكفاءة ونظافة اليد ، وتعبير حقيقي عن إرادة شعبية عارمة. لكن وصولهم لسدة لم يكن بمعزل عن إرادة خارجية أسهمت في هذا الوصول، تهدف إلى تشكيل المنطقة وفق مصالحها الإستراتيجية.
هل ينجح الإسلاميون في السيطرة على قيادة السفينة بنجاح و يقودوا تركيا إلى بر الأمان، تصبح بذلك قاطرة العالم الإسلامي نحو التقدم و الازدهار ، أم يعيد التاريخ نفسه و يذكرنا بصراع العثمانيين والصفاويين فتتحول تجربتهم إلى مجرد لعبة تتقاذفها المصالح الدولية فتتحول تركيا ومن ورائها العالم الإسلامي إلى رقة ف
ي مهب الريح

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire