lundi 26 septembre 2011

الخصوصية المترنحة

  



كنت أشاهد ، صدفة، حصة عن حياة فنان جزائري راحل. و كنت أعرف أنه يجيد العزف على آلة العود      وما  شدني  لآخر  اللقاء  الجهود المضنية  التي كان يبذلها مقدم الحصة .لقد ظل طوال المدة  يجتهد      ليثبت أن الفنان الراحل  لم يكن مقلدا للمشارقة في عزفه وأدائه . انتظرت حتى أكتشف  خصوصية عزفه  وتفرد أدائه  وتميزه عن العزف المشرقي . غير أن اللقاء انتهى  ولم نعرف إلا كونه مختلف عن المشارقة ،دون الوقوف عند  طبيعة الاختلاف ولا تفرد العازف ولا إضافاته  الفنية   . علما أن آلة العود صناعة شرقية صرفة منبتها و منبعها و جميع مدارسها شرقية خالصة .
ذكرتني بهذه الواقعة ،التي شاهدتها منذ فترة ، ندوة حول  الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس،  فوجدت  تشابها كبيرا إلى حد التماهي  بين ذاك الذي تحدث عن عازف العود  وتميزه عن المشارقة ، وبين المتحدثين  عن الشيخ الجليل بن باديس وتميزه  عن المشارقةراح أحدهم  ، وبثقة لا حدود لها ، يؤكد أن بن باديس لم يكن مقلدا  لا لمحمد عبده  و لا للسلفية  الوهابية ما جعله يتميز   ويتفرد عن باقي الدعاة و المصلحين المعاصرين له .لقد انتظرت ،كما انتظرت قبله صاحب العود ،أن يشرح على الأقل السمات العامة   لهذا التفرد و لهذه  الخصوصية. لكن الندوة انتهت  ولم نعرف  من الحاضرين عن  خصوصية  وتفرد الشيخ بن باديس إلا في  تمجيده  و تأكيده  ،كما قال أحدهم ، على انتمائه  الصنهاجي و بلاد زواوة .
هذه  المماحكات  قديمة قدم الحضارة العربية الإسلامية  لما كان المشارقة يرددون  ، هذه بضاعتنا ردت إلينا ، عن القادم إليهم من الأندلس، أدبا كان أم فلسفة  .كلنا نتذكر  في التاريخ القديم  ذلك السجال الكبير  بين ابن  رشد  وأبو حامد الغزالي  بين  "التهافت "و "تهافت التهافت "  .
أما في التاريخ المعاصر ، دشن المعركة من جديد الأشقاء المغاربة .   مع عبد الله العروي في كتابيه  "العرب والفكر التاريخي" و " الأيديولجيا العربية المعاصرة " عندما حكم على الفكر المشرقي  بالا تاريخية و القصور  من  خلال النماذج الثلاثة  الشيخ  و داعية التقنية و الليبرالي . محمد عبده ، وسلامة وموسى ولطفي السيد . ثم اشتدت المعركة وحمى  وطيسها مع محمد عابد الجابري الذي كان يرى في نفسه كانط العرب من خلال  مشروعه النقدي ،  لما حكم على المشرق  أنه صوفي عرفاني لا عقلاني  ،  بينما جعل العقل والعقلانية خاصية مغربية  
 المشرق لم يسكت ولم يقبل أن يتطاول عليه البربر  وبدأت معركة أخرى  في منتصف الثمانينيات على صفحات مجلة اليوم السابع التي كانت تصدر من باريس ،معركة لم تختلف في جوهرها عن داحس و الغبراء.
رشّح المشرق  فارسه المغوار  الذي لا يشق له غبار ،جورج طرابيشي لمنازلة محمد عابد الجابري  من خلال دراسة نقدية شاملة لإسهامات الجابري الفكرية . هنا أخذت المعركة منعرجا آخرا  لما تدخل التوانسة و الجزائريين  ،فتشكلت فرقا  ، الميمنة و الميسرة  وقلب الهجوم، الميمنة بقيادة   هشام جعيط  و المسيرة بقيادة  عبد المالك  مرتاض. ودخل الجميع في هجوم شامل في معركة يعلوها غبار الزمن وحطام التاريخ  المتراكم
إن ذلك السجال ، من بابه إلى محرابه ، خارج التاريخ ، خارج العصر ، لأن العصر و الفكر المعاصر إحدى سماته  الأساسية  التواصل وليس القطيعة .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire