vendredi 27 mai 2011

كلام مغشوش في مرحلة مغشوشة
يبدو أن الحديث لا يريد أن ينقطع بشأن  الكاتب الفرنسي ألبير كامو. بعدما استمعنا إلى دروس من جزائريين حول الكاتب، يأتي اليوم دور الفرنسيين، لا أعلم إن كان تقسيما للأدوار، وتوزيعا للمهام، أم شعورا بالإحراج بعد الضجة الإعلامية التي أحدثها بيان  المعارضين لهذه المناسبة. 
يبدو أن مهمة الدفاع عن كامو تكفل بها الكاتب ستيفان بابيه، ليكون ناطقا باسمها   وشارحا لمقاصدها وقد تكفل بصياغة بيان    نُشر على أوسع نطاق في فرنسا، يحمل عنوان  ''كامو عشق جزائري''. وهو دفاع عن وجهة نظر كامو في المسألة الجزائرية.
وبصرف النظر عن لهجته الاستعلائية التي بلغت حد التقعر، فإن مرافعته عن كامو، من بابها إلى محرابها، مغالطات وتزوير لحقائق ثابتة تاريخيا. لقد بلغ به التبجح الذي ينم عن سطحية في التفكير أن اتهم الجميع وعلى رأسهم الفيلسوف الكبير جان بول سارتر، صاحب المواقف المشرفة تجاه الجزائر والثورة الجزائرية، الذي كان يجمع التوقيعات ويوجه العرائض، ويقود المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر مطالبا بحق تقرير مصير الشعب الجزائري، توّجها بكتاب ''عارنا في الجزائر''، ظل شاهدا على موافق سارتر العظيمة.  ويقول باببيه، في صيغة تهكمية، إن سارتر كان يدافع شفويا عن النضال الجزائري  من شوارع ومقاهي باريس. أنا أتساءل: من أين يناضل إذا لم يكن من باريس وشوارعها؟ وبأي وسيلة أخرى ،إذا لم تكن الكلمة؟ هل كان  مطلوبا من سارتر أن يحمل السلاح ويلتحق بجبال الأوراس ويصبح مجاهدا في جيش التحرير؟
إن ستيفان باببيه، إما جاهل، أو لا يحترم عقول من يخاطبهم، لأن صاحب الوجود والعدم،  الذي كان يجوب أزقة و شوارع باريس، يتصدر المظاهرات بصحبة رفيقة دربه سيمون دي بوفوار، كان في حقيقة الأمر منسجما مع مذهبه الفلسفي الوجودي، أي  يعكس موقفا  فلسفيا أصيلا، نابعا من أصالة فلسفته الوجودية التي ترى أن جوهر الوجود الحرية التي تؤكد نفسها في مقابل ما عداها.
إن هذا الموقف الوجودي الأصيل تنكر له كامو، الكاتب الوجودي، في أول امتحان له لما طرح عليه التاريخ السؤال عن حرية الشعب  الجزائري، بل سار عكس سارتر، وعكس الفلسفة الوجودية برمتها، لما جعل الفكر الوجودي يقف على رأسه بدل رجليه. فهو لم يختلف مع سارتر حول حرية الشعب الجزائري، إنما أنكر الكينونة الجزائرية. هنا تتجلى النزعة الاستعمارية والروح العنصرية.  
لقد أنكر بشكل صريح وجود أمة جزائرية، فهي أمة في طور التكوين. لهذا يحق لمواطنيها، وليس لأهلها الأصليين، من هنا نفهم دفاعه عن مفردة المواطنة، من حق هؤلاء المواطنين،  الوافدين الجدد، الطارئين على تاريخ الجزائر: الفرنسيين والإسبانيين واليهود واليونانيين والمالطيين والإيطاليين والبرتغاليين وبقايا القراصنة العثمانيين والجيش الانكشاري  وعابري السبيل والمؤلفة قلوبهم، جميعهم لهم الحق أن يزعموا لأنفسهم أن يكونوا جزءا أصيلا للأمة المراد تحقيقها، لا تقتصر على  العرب والبربر وحدهم الذين غيبهم في أدبه، ولم يتعامل معهم إلا بوصفهم أدوات سلبية، باهتة، عاجزة، قاصرة،  لاهثة، مقطوعي الصلة بالزمان والمكان، تجمعهم هوية متخلفة عاجزة جامدة، منغلقة على ذاتها، يعلوها الصدأ من جميع جوانبها وضعت نفسها في تناقض مع موزاييك الأجناس في الجزائر. فأصبحت عاجزة عن استيعاب الحداثة ومنجزاتها.
إن هذا المنطق الاستعماري في التفكير، قاد  كامو، خريج قسم الفلسفة، إلى أن يؤسس له تاريخيا، من خلال سعيه الدءوب لتفكيك هذه الهوية المنغلقة على ذاتها. ولقد سهلت له الإدارة الاستعمارية المهمة، لما تكفلت بأحد مكوناتها، حين أعلنت أن العربية لغة أجنبية في الجزائر. فتفرغ لمحاربة الإسلام من خلال استدعائه لرموز تاريخية ما قبل الإسلام. فوجد ضالته عند القديس أوغسطين الذي روج له من أجل توطين المسيحية في الجزائر، ومنحها مشروعية داخلية. لقد كان اختيارا فكريا وأيديولوجيا واعيا، ولم يكن ضحية المركزية الأوروبية التي تلقاها في مطلع شبابه كما حاول أن يضللنا ستيفان باببيه.
أما  التلويح في كل مرة بشأن تحقيقه اليتيم  عن ''بؤس في منطقة القبائل''، فهذا لا يعني عدم قبوله بالاستعمار، إنما كان منزعجا من عدم أناقة فرنسا المتحضرة في تعاملها مع الأنديجان والبيكو. لكنه ظل وفيا لقناعاته الاستعمارية حتى بعد انطلاق الثورة منددا  ما كان يطلق عليه، إرهاب جبهة التحرير.
لكن السؤال المحير، لماذا هذا الإصرار على تضخيم  كامو، والعمل على تسويق بضاعته، الجميع يعلم أنها مغشوشة. هل لمجرد كونه ولد في الجزائر؟ أم هناك رسالة ما يريد إيصالها أصحاب القافلة ومن يقف وراء القافلة؟


1 commentaire:

  1. أثلجت فؤادي ..
    ويبقى السؤال هو لماذا هذا التضخيم لالبير كامو؟

    RépondreSupprimer