vendredi 27 mai 2011

دفاعا عن جمعية العلماء الأصيلة

ليست المرة الأولى التي يقصف فيها رئيس جمعية العلماء نشاط المكتبة الوطنية· وفي كل مرة تتزايد كمية القصف والتركيز على المكتبة الوطنية دون سواها، من خلال بيانات تحمل في جوهرها مضمون فتاوى· أما البيان الأخير أو الفتوى الأخيرة حول محاضرة أدونيس، فلا يترك مجالا لشك أو تأويل، فهو ينطوي على تكفير صريح·
من حق رواد المكتبة الوطنية أن يتساءلوا، وأنا واحد منهم، لمَ هذه الانتقائية في القصف·· وما هي غايته؟· لقد فتحت المكتبة الوطنية أبوابها للجميع، وبشهادة الجميع·· ونظّمت ندوات للجميع دونما استثناء ولا إقصاء· فتحت أبوابها للاجتهاد، بحضور رموز دينية·· كما نظّمت ندوات مختلفة حول رموز دينية، من بينها ندوة حول الشيخ ''بيوض'' (رحمه الله)، وندوة حول الشيخ عبد اللطيف سلطاني (رحمه الله) الذي تنكر له مريدوه قبل أصدقائه·· وغيرها من الندوات··· لهذا يتعذّر كثيرا فهم واستيعاب تهجم رئيس الجمعية على أحد رموز الثقافة العربية المعاصرة وأحد الشعراء الكبار وأحد منظّري الفكر العربي المعاصر، وأحد مرشحي العرب لجائزة نوبل·
لقد كان أوْلى··· وأجدى للجمعية ورئيسها، أن تجسّد -على الأقل- بعض ما حلُم به الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس·· أن تنافح عن اللغة العربية التي تتعرض للانتهاك وللمسخ باستمرار··· بدل التهجم على أحد رموزها· أم أصبحت الجمعية تعُدّ اللغة العربية -كما يعُدّها التيار الفرانكوفوني- لغةَ البعثيين لا يجوز الدفاعُ عنها·
كنا ننتظر من رئيس الجمعية، أن يبديَ رأيه في القضايا الفكرية الكبيرة··· والصراعات المصيرية الحاسمة··· والأخطار الهائلة التي تهدّد العرب والمسلمين··· ليس محاكمة النوايا وتوزيع التهم والتشكيك في إيمان البشر، هذه من مخلفات القرون الوسطى ومحاكم التفتيش·
الخطرَ كل الخطر، أن تتحول الجمعية إلى محكمة تفتيش، تحاكم النوايا وتوزع صكوك الغفران· فما نُشر حول محاضرة أدونيس وما قيل عن بعض الصحف الوطنية، ينمّ عن خطر داهم، يذكّرنا بإرهاصات تلك المرحلة المشئومة، التي بدأت بالتهم والتشكيك والتحريض··· وانتهت لاحقا إلى مواقف ملموسة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين والجزائريات· ويبدو أن الكثير لم يتعظ، ولم يعتبر·
وما يبعث على التعجب أن رئيس الجمعية، أصدر البيان-الفتوى، في شيء لم يكن شاهدا ولا حاضرا فيه· هذا لا يليق بمكانة جمعية العلماء، بل يُعدّ إساءة لتراثها، ومؤسسها باعث النهضة الجزائرية الحديثة الشيخ عبد الحميد بن باديس، رمز التسامح والمحبة···
يبدو أن الجمعية -قبل غيرها- هي في أشد الحاجة إلى سماحة وتسامح الشيخ المؤسس ابن باديس، وفي حاجة ماسة لإعادة قراءة تراثه، للوقوف عند تلك المواقف النبيلة والعظيمة والمشرقة···
وما صدر عن وريث الشيخ ورئيس الجمعية، التي أسسها الشيخ، من تكفير في حق ضيف عابر لم يستمع إلى كلامه، ولم يكن حاضرا·· أفتى وكفّر، لمجرد أن أحدهم أبلغه· فهذا لا يمتّ بأي صلة بتراث جمعية العلماء، ولا بروح الشيخ المؤسس· هذا شيء آخر، هذا تراث آخر·· لا نعرف طبيعة الرياح التي جلبته·
إن تراث الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس ومواقفه الدينية المتسامحة ورؤيته الوطنية والعالمية العالية، جعلت منه رمزا دينيا ووطنيا كبيرا·
لقد تعامل الشيخ الجليل بمحبة عالية، وصدر مفتوح، وتسامح واسع، مع جميع أبناء الحركة الوطنية الجزائرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار·· من الاندماجيين إلى الشيوعيين، اختلف معهم·· جادلهم·· اعترض على الكثير من مواقفهم الفكرية والسياسية··· لكن لم يخطر على بال الشيخ الجليل أن يشكّك في إيمان أحد منهم، ولم يخطر على باله أن يكفّر أحدهم·· لأنه ينتمي إلى طراز من الرجال ذوي الأفق الواسع· كما كان ينتمي إلى عصره·· فلقد كان صارما وحازما ضد إسلام الدجالين والدراويش في الجزائر·· وضد فقهاء السلاطين العثمانيين، الذين جعلوا الإسلام أداة موضوعة في خدمة الإقطاع والنبالات العسكرية· لهذا ساند -بحزم ووضوح- حركة كمال أتاتورك العلمانية، لأن الشيخ الجليل كان ابن عصره وابن عصر النهضة العربية ووريث تراثها التنويري، من الأفغاني ومحمد عبده إلى علي عبد الرازق·
هذا هو الشيخ وتراث الشيخ·· الذي أساء إليه البيان-الفتوى، إساءة بالغة·· بيان عبّر عن ضيق أفق وضيق صدر·· وتنصُّل واضح عن مرجعية جمعية العلماء الأصيلة·
نعم، إن انقطاع صلتنا بتراث جمعية العلماء ومرجعية جمعية العلماء، كان من ضمن الأسباب التي زجّت بالجزائر إلى إسلام متطرف عنيف، قادم من كل حدب وصوب·· وأخطرهم على الإطلاق ليس الإسلام الوهابي·· هذا تعبير غير دقيق، بل الأصح هو إسلام البترودولار، الذي ساهم في إغراق الجزائر في بحر من الدماء·
لقد تفاءلنا خيرا بتأسيس جمعية العلماء المسلمين، ظانين أنها ستكون سدّا منيعا ضد إسلام البترودولار والإسلام المتأفغن، وضد فقهاء السلطان، وإسلام الدجّالين الجدد·· وضد إسلام مرضعة الكبير، والتبرك ببول الرسول، وتحريم أكل الزلابية والاحتفال بالأعياد الوطنية·
تفاءلنا خيرا بتأسيس جمعية العلماء، ظانين أنها سوف تسير على الدرب الذي خطه الشيخ المؤسس، فتأخذ بيد الجزائريين والجزائريات نحو إسلام متسامح تنويري عقلاني، منفتح على العصر وقضاياه الشائكة·
لكن البيان-الفتوى، من جمعية العلماء، ومن رئيسها، خيّب الآمال وأصاب الكثير بالإحباط· لقد كشف البيان-الفتوى، أننا نبعد كثيرا عن جمعية العلماء المسلمين الأصيلة· بل إننا أمام جمعية أخرى ومرجعية أخرى، بعيدةٍ كل البعد عن تراث الشيخ وعَبَقِ الجامع الأخضر·

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire