dimanche 4 décembre 2011

رسالة إلى اليسار العربي

ر


العرب يطرقون الآن  أبواب مرحلة تاريخية جديدة. تأجلت كثيرا، وتأخرت كثيرا بسبب شعارات رددها العرب، جيل وراء جيل حتى وصلت إلى جيلي. رددناها ونحن طلبة في الجامعة في منتصف السبعينيات. شعارات كانت كبيرة و واسعة وحالمة على رأسها شعار، حرق المراحل ،الذي حفظناه  عن ظهر قلب وكأنه أنشودة وطنية  .
كنا نعتقد أننا سوف ننتقل، بقفزة واحدة، ومرة واحدة ووحيدة، و إلى الأبد،  من مجتمعات نصف رعوية ونصف زراعية، مجتمعات مستنفدة تاريخيا تعشش في ذهنها ثقافة سلفية إقطاعية يعلوها الصدأ من جميع جوانبها، إلى مجتمعات حديثة و عصرية ومتقدمة . هكذا كانت تقول "فلسفة " حرق المراحل
كنا نعتقد أننا سوف ننتقل بهذا الركام التاريخي ونقفز به إلى مصاف المجتمعات المصنعة. هكذا بقفزة تاريخية، لم نكن نعلم أننا ركبنا المجهول و قفزنا في المجهول.  كانت نتيجتها مأزقا تاريخيا كاد أن يعصف بنا دولا ومجتمعات و لايزال الخطر  يجابهنا     
 لقد حلمنا حلما جميلا لكن التاريخ له  قوانينه الموضوعية  الصارمة و لا تسيره الأوهام وأضغاث الأحلام .
إن اليسار العربي وكل قوى التقدم العربي مطالبة اليوم بنقد ذاتي و التعامل مع قوانين التاريخ الصارمة التي لا مرد لها.
 الإسلاميون اليوم حقيقة تاريخية كبرى، ويجب التعامل معهم بوصفهم كذلك ، حتى إذا كنا مقتنعين  أنهم لن يضيفوا للتاريخ أي جديد ،حتى إذا كنا  مقتنعين  أن وجودهم على الركح السياسي هو تعبير عن أزمة وليس علامة على وضع صحي،  حتى إذا كنا مقتنعين إنهم عطالة تاريخية .لكنها مرحلة لابد منها للانتقال إلى أخري أفضل منها .
 إن جميع  التحولات التاريخية الكبرى  التي عرفها التاريخي العالمي  كان لها ثمنا  وفي الكثير من  الأحيان كان الثمن عاليا جدا ومكلفا جدا  .لأن التاريخ لا يتقدم و لا يرتقي بدون مقابل  
  وإذا كان  هناك خوف  فإني  أراه قادم  ليس من الإسلاميين  لأنهم لا يملكون مشروعا  وطنيا أو قوميا. ومن لا يملك  مشروعا لا مستقبل له . لكن قد تطول مرحلتهم  ليس بسبب قدرتم وقوتهم الذاتية، إنما بسبب ضعف اليسار العربي مثلما كان صعودهم بسبب ضعف وتشتت قوى التقدم العربي 
 إن الخوف الحقيقي  نابع من اليسار العربي وجميع قوى التقدم  التي لا زالت تردد   عبارات فارغة ولازالت غارقة داخل أطروحات قديمة  استهلكها التاريخ  و فضحتها   التجارب الفاشلة .
 إن ما يلوح في الأفق يؤكد ذلك ، بدأنا نسمع ونشاهد ،هنا وهناك ، تعابير سياسية متشنجة وتحركات تكشف  عن إعادة  إنتاج خطاب وممارسات  عفا عنها الزمن .
 إن مجابهة الحركات الأصولية  ليس  بالشتم و التصيد و التهكم ، ولا بالأصوات العالية  للأمهات العازبات  و الزج بهن أمام الفضائيات الأجنبية  كما نشاهد هذه الأيام  ، هذا تسطح ،هذا عجز فكري  هذا ضعف الوعي التاريخي  والأيديولوجي.    .
  إن المهمة  الأولى التي يحب أن يضعها اليسار العربي وجميع قوى التقدم ، على رأس جدول أعمالهم ، هي صياغة وبلورة خطاب  فكري عقلاني تنويري  ينطلق من  الخصوصيات  التاريخية   المحلية و القيم التي كفلت الاستمرارية التاريخية   و التي لازالت قادرة   على إنجاز  الجديد إذا أحسنا توظيفها  واستثمارها  
  هذه المهمة  التاريخية  لن تتحقق ولن يكتب لها  النجاح  وستفشل كما فشلت التجارب السابقة ، إذا لم  تتوصل إلى بلورة  صيغة مبدعة، بإيجاد المعادلة الصحيحة  الجامعة، بين الكفاح العقلاني و التنويري، و بين الإيمان ، هذا إذا أردنا أن نبتعد عن ثقافة الصالونان و النخبوية و التعالي و احتقار الجماهير  وازدراء ثقافتها  القديمة  التي لازالت في جانب كبير مننها  ملوثة بالتصورات الغيبية.
إن ما يجب أن يضعه اليسار العربي  في الحسبان عند صياغة المشروع  التي يرسم آفاق المستقبل ،
 أن  الجماهير العربية  وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في التحول  والتقدم  الاجتماعي و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، لازلت في معظمها متدينة . وستظل حينا من الدهر، بحكم التأخر التاريخي، تعبر عن تطلعاتها في الحرية و السيادة والكرامة و العدالة الاجتماعية في إطار هذا الفكر التقليدي.
لكن ذلك يجب ألا  يفهم منه  أنه تملق للجماهير و غض الطرف عن نقاط ضعفها .  إنما هي  محاولة لتأسيس العلاقة  المفقودة  تاريخيا ، التي لعبت عليها القوى الأصولية ، بين قوى التقدم العربي من جهة  و جماهير متدينة من جهة ثانية ،بين  الأيديولجيا  المعاصرة و بين جماهير  متدينة.
.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire