mardi 2 juillet 2013

الانحياز إلى الشعب: إلى جمهورية مصر العربية أم إلى جمهورية القاهرة ؟




مفردة الشعب أكبر مفردة هلامية وميتافيزيقية و تضليلية ،كما أنها  تخفي حقائق أصبحت من مسلمات العلوم الاجتماعية التي  تستعمل مفردة المجتمع وليس الشعب لأن المجتمع يتكون من أفراد  واقعيين  وجماعات ومجموعات وطبقات اجتماعية وشرائح اجتماعية  متنوعة  تكون عادة مختلفة في أهدافها وتطلعاته وثقافتها  وقيمها ومرجعياتها كما تكون متعارضة المصالح الاجتماعية والاقتصادية وقد يصل تناقض المصالح إلى حد التناحر والحرب الأهلية.
التاريخي يعج بالأمثلة التي تكشف أن جميع الثورات تقوم بها وتتصدرها طبقات اجتماعية تسهم فيها شرائح اجتماعية تكون لها مصلحة في ذلك. وأحيانا تكون الثورات نتيجة تحالف طبقات تجمعها مصلحة مشتركة
في الحالة المصرية يجمع كل الباحثين الجادين أن  النواة الصلبة للثورة المصرية وعقلها المدبر تكونت  من الطبقة الوسطى  المدينية و  بخاصة أبناء الطبقة الوسطى الذين ورثوا النضال من  الآباء  فحققوا لهم الحلم الذي  فشلوا في تحقيقه في الستينيات والسبعينيات.
لكن ما يجب التوقف عنده و التشديد عليه و التنويه و الإشارة إليه لكي يتسنى لنا فهم طبيعة الصراع العنيف الدائر في مصر، هو ضروة التوقف عند  خصوصية الطبقة الوسطى المصرية  التي لها علاقة  بتاريخ مصر وتنوعنه الثقافي والحضاري.
من  المعروف أن مصر حكمها الأجانب،قديما حكمها المماليك وحديثا  أسرة محمد علي باشا ذلك الضابط الألباني الذي  قدم  إلى مصر مع الجيش الانكشاري فأصبح حاكما لمصر ثم وورّثها من بعده إلى سلالته وذريته التي استمرت  قرونا تحكم مصر، ولم يتسنى لمصر أن يتولى حكمها  مصري إلا مع جمال عبد الناصر الذي يعد أول مصري يحكم مصر منذ الفراعنة .   
  هذه الوضعية التاريخية جعلت مصر يستوطنها الكثير من الأجانب وسلالات الأجانب مثل الألبان و الأتراك  و الشركس و الأرمن و اليونانيين وغيرهم من  الملل و النحل  الذين استوطنوا المدن  الكبرى  مثل الإسكندرية  التي كانت مدينة متروبولية حتى لا نقول أجنبية . ولازلت أذكر  أول زيارة إلى الإسكندرية وأول مطعم سمك دخلته كانت تديره سيدة طاعنة في السن ظننتها للوهلة الأولى سيدة يونانية لكنني  اكتشفت أنها من أصول تركية  كما أخبرتني.
 هذا فضلا عن الزواج المختلط بين المصريين والأجانب بخاصة أبناء  المدن وإذا أخذنا عيينة من أهل الفن  نجد أن الكثير منهم إما من أصول غير مصرية  مثل حسين  فهمي الذي يعود  إلى  أصول  شركسية  أو نتيجة زواج مختلط  مثل فتى الشاشة رشيد أباضه  مرورا بأنوشكا و ندى باسيوني  والكثير من أهل الفن غيرهم .
هذه الطبقات الاجتماعية ونخبها الفكرية والسياسية  التي تشكل منها أسياد المدن و الأرستقراطية  المصرية التي كانت  " تحتل "  المدن الكبرى، بدون شك بمشاركة بعض البرجوازيات  من السكان  الأصليين،كانت مستقلة في أسلوب حياتها ونمط معيشتها ونظرتها إلى الحياة  عن بقية المجتمع المصري إلى حد  أطلقت على القاهرة  أسم مصر وفي حقيقة الأمر كانت القاهرة هي مصر .
أما السكان الأصليين الذين يدخلون القاهرة و المدن الكبرى ، نسائهم يدخلونها شغالات عند الهوانم  و الرجال "بوابون" أمام العمارات  وحراس على الفيلات  وأسياد الفيلات. ومن يتابع المسلسلات المصرية والسينما يجدها تعكس وتكرس وتؤبد هذه الوضعية الطبقية  التاريخية  التي تجعل من الفلاح الصعيدي  ومن ورائه كل الصعايدة  موضع تندر و سخرية  وتهكم بلغت حد الاحتقار و العنصرية .
هذه "المشهد" الطبقي و العنصري غيرته الثورة فلم يعد ذلك الصعيدي الذي كان موضع تندر وسخرية الذي كان يدخل القاهرة ذليلا بوابا .لقد غيرت الثورة من وضعيته  الاجتماعية  فدخل القاهرة بعد الثورة وزيرا وكيل وزارة  ورئيس مجلس إدارة.
  وهذا هو جوهر وحقيقة الصراع في مصر بين طبقة وسطى جديدة قادمة من مصر العميقة من أنباء  السكان الأصليين الذين عاشوا التهميش  التاريخي  وهم حاليا كلهم عزيمة وإصرار على المشاركة في الحياة السياسية وأن يلعبوا دورا في حياة بلهم  ووطنهم . وفي الجهة الأخرى تقابلهم طبقة وسطى أخرى  تعودت أن  تكون  وحدها في الساحة  ولا تقبل المشاركة السياسية ولما شعرت أن قوى اجتماعية  جديدة  دخلت الحياة  بقوة وأصبحت منافسة لها بدأت  تنحت مفردات ومصطلحات مثل  أخونة الدولة   والمقصود بها  أبناء الشعب المصري والسكان لأصليين
وبشي من المبالغة  أقول أن المعركة الحالية في مصر ، هي  بين جمهورية مصر العربية وبين  جمهورية القاهرة وضواحيها. ولهذا  لا أعلم كيف تترجم المؤسسة العسكرية  كلمة الانحياز إلى الشعب هل تقصد جمهورية  القاهرة  أم جمهورية مصر العربية ؟







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire