dimanche 30 octobre 2011

سوريا : إلى أين ؟



                
المتابعون للشأن السوري تباينت  أرائهم حول  نشاز  حلب ودمشق  عن  الحراك السياسي الذي تشهده سوريا ،لكنهم تقاطعوا عند نقطة واحدة وهي موقف الطبقة الوسطى داخل المدينتين ، البعض يراه  متذبذبا مترددا  عاجز عن الحسم ، بينما بدا للبعض الآخر موقفا  متزنا لا يريد الدخول في مغامرة غير محسوبة نتائجها .
أما ما سمعته أمس من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقابلة مع قناة الجزيرة يبعث على الحيرة و القلق، فلم يكتف بالدفاع عما سماه  الموقف الوطني و المتميز   للطبقة الوسطى داخل حلب ودمشق ،المركز ، قلب سوريا النابض ،لقد ذهب إلى حد توجيه  تهمة صريحة  للثورة السورية  القادمة  من الأطراف . وأشار بوضوح إلى درعا جنوبا على الحدود الأردنية المدعومة من طرف المخابرات الأردنية ، كما لم  يستبعد دور المخابرات الإسرائيلية . و القامشلي  في أقصى الشمال الشرقي ، ربما كان يقصد  الأكراد المتواجدين في المنطقة بكثافة كبيرة . وجسر الشغور غربا على الحدود التركية  الطامحة لدور  إقليمي .
و إذا كنت لا أصادر على رأي أحد ، فإن الوقوف عند الطبقة الوسطى داخل  المدينتين ،بوصفها وحدها  دون سواها ، أداة  تحليل وعامل تفسير يعد اختزال وتبسيط وتسطيح للواقع السوري الذي يعد  على درجة كبيرة من التعقيد والتشابك تتداخل فيه عوامل متعددة، الطبقي والطائفي، السياسي والاقتصادي ليس من السهل  فك خيوطها ،ذلك يتطلب الإلمام بتاريخ سوريا ،وأنا هنا لا ادعي معرفة به، إنما اقترح مدخلا آخرا قد يساعد على الفهم و التفسير.
 يخطئ كثيرا من يعتقد أن الطائفة العلوية التي قامت بانقلاب عسكري ضد حكم الأغلبية السنية والتي لا تتجاوز 8 %  من مجموع السكان    تنفرد بحكم سوريا ، إن نظام الأسد الأب المعروف عنه  الدهاء والخبرة  السياسية و  الإطلاع على الحقائق السورية  رسم حدودا ووضع  خطوطا حمراء  لم يسمح حتى لأخيه رفعت بتجاوزها أو القفز عليها لأن ذلك  يجر سوريا إلى متاعب يتعذر التحكم فيها وهذا يفسر لنا  سر استمرار واستقرار  نظام الأسد الأب ثلاثة  عقود دون نفي طابعه القمعي .
هذه الوضعية الطائفية  جعلت  الأسد الأب  يعيد تشكيل الخريطة السياسية من اجل خلق توازنات سياسية جديدة  وواقع جديد  وموازين قوى جديدة   تحتل فيها الطائفة مكانة متميزة ومريحة .
البداية كانت تجميع الطوائف الصغيرة التي حققت، في ظل هذا التحالف، مكاسب اقتصادية وبعض النفوذ السياسي. . وعلى صعيد آخر تم استقطاب العناصر الانتهازية  من داخل الأحزاب التي انتقل معظمها للعمل السري بعد الانقلاب العسكري  فتشكلت من تلك العناصر ما سمي جبهة وطنية تقدمية .كان الهدف من ذلك مزدوجا ،من جهة أولى يخفي النظام  طابعه الطائفي،ومن الجهة الأخرى  ليسوق نفسه بوصفه استمرار  للخط القومي  التقدمي الاشتراكي   الذي يمثله  حزب البعث  القائد للدولة والمجتمع . 
  وما له دلالة  وتجب الإشارة إليه و الوقوف عنده مليا ،أنه ضمن هذا التشكل السياسي الجديد ظلت البرجوازية السنية تحافظ على مصالحها ، بل استفادت من لعبة  التوازنات السياسية  التي كانت جزءا منها وطرفا فاعلا فيها .ومكافأة لها عن سكوتها على حكم الأقلية   ، سكت النظام  على الكثير من ممارساتها كالتهرب الضريبي وتهريب الأموال ونشاطات اقتصادية خارج الأطر القانونية. كما استفادت بشكل كبير من القمع المسلط على القوى التقدمية و الاحتجاجات العمالية و الطلابية  ومؤسسات المجتمع المدني، ذلك كله كان له الأثر الطيب في نفس  البرجوازية السنية بخاصة في المدن الكبرى مثل حلب ، العاصمة الصناعية  ودمشق العاصمة السياسية و الاقتصادية. لهذا يجوز الحديث عن تحالف نشأ منذ البداية بين الجزء الحاكم من الطائفة العلوية و البرجوازية السنية ، ولقد توسع هذا التحالف بتشجيع  وتسهيل من حافظ الأسد.  وبعد أربعة عقود من الحكم  تكونت ما يمكن تسميته بتحفظ شديد  طبقة بورجوازية علوية عمقت التواصل مع البرجوازية السنية  عن طريق الشراكة الاقتصادية  و المصاهرة  فوقع تزاوج المال و السياسية واختلط الطبقي بالطائفي  في تكتل واحد ومصلحة واحدة
لهذا ليس صدفة على الإطلاق، أو ما له دلالة رمزية بعد رحيل الأسد الأب ، ومجيء الابن كانت أول خطوة، زواج الابن من شابة سنية   ومن أكبر العائلات البرجوازية السنية فكانت رسالة واضحة للعهد الجديد.
 لكن مع رحيل الأسد الأب ومعه جيل عرف كيف يحافظ على التوازنات داخل  المجتمع  الذي  لقي إجماعا وطنيا  ضمن الحدود الدنيا . لكن على أنقاض  جيل الآباء ، تقدم الحياة السياسية  جيل جديد عديم الخبرة و الكفاءة و الوطنية ، جيل  مرتبط  أكثر بالفساد  وحب السيطرة  و النفوذ ، فتوسعت دائرة النهب و الفساد و الاستغلال و النفوذ و الرشوة  والاستقطاب الاجتماعي  أدى إلى الإقصاء و التهميش للأغلبية السياسية ،  بخاصة داخل المدن الكبرى   مدعوم بجهاز بيروقراطي متضخم  تغذيه جبروت دولة متضخمة  ذلك كان  على حساب بقية المجتمع  نتج عنه انفراط العقد الاجتماعي  ،فسهّل العودة  إلى التكوينات الاجتماعية  ما قبل  دولة  وما قبل أمة  
هذه الوضعية الجديدة  نتج عنها  استهتار بالقيم الوطنية  المشتركة، من طرف الأقلية  الحاكمة كما ضربت عرض الحائط بكل التقاليد الموروثة  الضامنة للاستمرارية  التاريخية و الاستقرار الاجتماعي،  خاصة بعد أربعة عقود من الهيمنة  والسيطرة  و التوسع المالي بلا حدود و لا رقيب ، لم تعد معه الطائفة  العلوية كما كانت من قبل فقيرة ريفية،  لقد أصبحت لها الهيمنة الاقتصادية   والقوة العسكرية   ونخبة سياسية وفكرية وبيروقراطية تعتمد عليها . ولم تعد في حاجة إلى حلفاء الأمس  ولا إلى شراكتهم   السياسية و الاقتصادية ولا لباقي المجتمع ، أدى   إلى الميل  و الرغبة القوية لدى   قوى  واسعة داخل الطائفة إلى  الاستحواذ، ليس على الحكم، إنما على سوريا  بأكملها  
وإذا لم يقع تعدل  سريع وحاسم على بنية النظام  من داخل الطائفة  وليس من خارجها  أو ضمن تحالف  يطمئن الجميع ، فإن سوريا لن تكون بعيدة  عن السيناريو  الليبي .
   


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire