dimanche 9 octobre 2011

إلى صديق تونسي حتى لا يصبح جلادا





في يوم في شهر في سنة، كنت برفقة صديق جزائري في انتظار صديق سوري مشترك ليرافقنا إلى الحدود السورية اللبنانية ويؤمن لنا اجتياز الحدود و المرور إلى بيروت عن طريق الخط العسكري .
سوريا لا توجد بها سفارة لبنانية و السوريون يتوجهون إلى لبنان بالهوية، أي ببطاقة التعريف. أما أنا فعلي العودة إلى سفارة لبنان بالجزائر.كان ذلك مشوارا طويلا لهذا اختزلناه عن طريق المعارف و الخط العسكري.
رافقنا الصديق اسكندر إلى غاية الحدود  و " توصى فينا  عند الشباب "  الذين كان يعرفهم ، ثم عاد أدراجه .حيث  لا تبعد الحدود عن العاصمة  دمشق أكثر من ثلاثين كلم ، نعم ثلاثون كلم من دمشق  إلى شتورة أول قرية لبنانية . هكذا أرادها  سايكس بيكو، وهكذا  أصبحنا نقدس حدودا   رسمها لنا دبلوماسيو بلاد بعيدة .
الصديق اسكندر زميل دراسة، شاب  علوي فقير كنا نزوره أنا وصديقي في غرفته فوق السطوح  كما يطلق عليها  أشقاؤنا المصريون.أما "الشوام " اختاروا لها مفردة أكثر لباقة  فسموها  "ملحق ". وكثيرا ما كنا نجد غداءه أو عشاءه ،رز باللبن.
رغم   الفقر و العوز و الحاجة ظل اسكندر  على درجة من الاستقامة والشرف و النزاهة ،مثل الكثير من العلويين الذين تعرفت عليهم . لم يكن معارضا للنظام ، لكنه لم يتورط معه ، ظل بعيدا عنه وعن امتيازاته وكان بوسعه ذلك .  
بعد حصوله على درجة الماجستير هاجر إلى استراليا مع تلك الشابة،التي قاسمته صحن الرز واللبن .
سألته لماذا  الهجرة ؟ وقتها كان الصراع بين  النظام و الإخوان المسلمين  في ذروته ، كان رده مؤلما  يختزل كل الوجع العربي ،قال: إذا ظليت فإنني أحسب على  نظام لا تجمعني به أية صلة ،  وإذا وصل الإخوان إلى السلطة سوف يعاقبونني لأنني علوي .
كانت المرة الأولى التي ازور فيها لبنان، وأقف وسط شارع الحمراء، لم تكن الحرب الأهلية قد وضعت أوزارها بعد. بدت لي بيروت حزينة كئيبة شاردة وخارج الزمن. زادتها بؤسا  . منظر حاويات الزبالة، ومنظر المولدات الكهربائية   المتناثرة   أمام المحلات وضجيجها المزعج،  وقضى على ما تبقى من جماليات الحمراء.
مرت الليلة بسلام إلا من بعض الطلاقات الخفيفة، وفي الصباح توجهنا ،كعادة الجزائريين، إلى  المقهى كانت معنا صحف الصباح. تقدم النادل ، أعدنا على مسامعه الطلب  الأبدي الذي يحفظه كل جزائري عن ظهر قلب  وبتسلسل : كرواسون ،كافي كريم ، كافي نوار  . و البعض يضيف" قرعة قازوز .بعدها تناولت جريدة السفير . التي كنت من قرائها الأوفياء وما زلت، أما صديقي، سعدي، كان يتصفح جريدة أخرى لم أعد اذكرها. بجانبي على الطاولة" الكافي النوار"  وعلبة  المارلبورو،  وقتها لم أكن قد انقطعت عن التدخين بعد.
وأنا أتصفح الجريدة وبيدي السيجارة  وقعت عيناي على الفاجعة ، الميلود ،مات ؟نطقتها بصوت عال  إنه الشاب التونسي القادم من عمق الجنوب ، لم  أكن اعرفه حق المعرفة شاهدته مرة واحدة مع شباب توانسة. 
كان نعي طلال سلمان للميلود كما لم ينع أحدا من قبله ، نعيا يقطر دما ودموعا .
الميلود جاء من عمق الجنوب التونسي ليموت  داخل أرض فلسطين . لقد اخترق بطائرته الشراعية التي كان يقودها ،جدار  الفرانكفونية  و الإقليمية  و الشوفينية الضيقة والعصبيات  الملوثة  بعصاب مثقفيها. تخطاهم جميعا وحلّق في أجواء عالية يحمل على جناحيه آمال الأمة وأحلامها.  قاد طائرته الشراعية من الجنوب اللبناني ومعه مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين والسوريين أرادوها معركة قومية وملحمة عربية   امتزج فيها الدم العربي على أرض فلسطين.
 وأثناء عودة البطل  بطائرته الشراعية  بعد عملية ناجحة  على  معسكر( غيبون ) أو ما يطلق عليه معسكر الأبطال سقطت الطائرة  فوق مرتفعات الجنوب اللبناني وظل يقاتل موقعا في صفوفهم عددا من القتلى  إلى أن نال الشهادة .
علاقتي بالتوانسة كانت محدودة إن لم تكن منعدمة ،وهذه ظاهرة جزائرية ، هل يعود إلى الطبع ، أم الأحكام المسبقة ، أم هو الغيتو و القوقعة التي  تجعل الجزائري،  إذا أحل ببلد يعزل أهلها ويجعل منهم أقلية  ثم يتهمهم بالعنصرية .
لا اعلم بالضبط كيف تعرفت على شابين تونسيين كانا يدرسان بكلية الحقوق بجامعة دمشق هل هي الصدفة أم الجيرة بحي ركن الدين، بالقرب من جامع صلاح الدين الأيوبي. كان أحدهما ملتحيا وهي خليط من اليسار والقومية العربية وكان الأكبر سنا ونضجا واتزانا وتجربة وعمقا وهدوء. وزهدا  وصاحب تجربة سياسية داخل تونس التي جاء منها هاربا من حكم أصدره في حقه نظام بورقيبة بسبب نشاطه وعلاقاته مع المقاومة الفلسطينية. ولقد ظل وفيا لقناعاته ولمبادئه كما ظل يمارس نشاطاته وهو في دمشق رغم الأخطار  . وكان محل احترام  وتقدير  من التوانسة  الدارسين  بجامعة  دمشق .أما الثاني فلا تنقصه تلك الخصال، لقد جاء هو أيضا  هاربا من تونس بسبب نشاطاته  السياسية داخل الجامعة  وانتمائه للجماعات  التروتسكية   المحظورة .  لكنه  كان  أكثر اندفاعا وتسرعا. وحماسا ما جعل سلوكه اقرب للجزائريين وبالفعل لقد عرفت فيما بعد أنه من سكان المناطق الحدودية وأخواله من سوق أهراس.
  كانا صديقين  للميلود وقد شاهدته بصحبتهما . كما اخبراني، وهما متأثران كثيرا ،  أنه قدم قبيل استشهاده  إلى دمشق   ووجه دعوة  إلى  جميع  أصدقائه التوانسة لعشاء وأصر على حضور الجميع  وكانا  من ضمن الحضور  ولم يفهما سر إصراره   وسر سهرته  الطويلة معهم  إلا بعد استشهاده . لقد كانت دعوة الوداع الأخير .مثلما ودعتهما أنا  أيضا  قبل ربع قرن  .واليوم تحديدا 09/ 10/ 2011   صباحا   وأنا جالس أشرب" الكافي نوار " هذه المرة في الجزائر و ليس بيروت و أشاهد   قناة الجزيرة ولا أتصفح جريدة السفير. شاهدت صديقي القديم  على قناة الجزيرة  بعد ربع قرن  ،لكن بدون لحية و قد عين وزيرا   معتمدا  لدي وزير الداخلية مكلفا  بالإصلاحات  . هل يظل محمد الأزهر العكرمي وفيا ومخلصا لروح  الميلود   أم  يصبح مستشارا للشرطي الأول ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire