vendredi 25 novembre 2011

عزمي بشارة ومكر التاريخ


المفكر عزمي بشارة اختفى فجأة بعدما ملأ الدنيا وشغل الناس بمداخلاته  و استخلاصاته على قناة الجزيرة حول الثورات العربية ، هل كان اختفاء فرضته ظروف خاصة؟ أم  تطور الأحداث  وما نتج عنها من تعقيدات جعلته  يخشى المغامرة  بمواقف وأراء قد تحسب عليه، في مشهد عربي شديد الالتباس وغير مضمون النتائج بسبب تدخل العامل الخارجي الذي زاده إرباكا وضبابية.
إن من تابع إسهاماته الفكرية  أو مداخلاته  على قناة الجزيرة حول الثورات العربية  يجده واضحا ودقيقا  ويتحدث بانسيابية  وطلاقة وتدفق لغوي يكشف عن انسجام وتطابق أفكاره  ومفرداته مع الواقع  العربي الجديد  الذي دشنته  الثورة في تونس و أخذت إبعادها مع الثورة في مصر.  التي كشفت مساراتها عن توافق كبير عما أفصح عنه في مجمل إنتاجه وبشكل خاص في كتابه الأخير "في المسألة العربية:  مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.   الذي يتمحور كله حول مسألة مركزية أرّقت  العرب و فكرهم وهي، علاقة  الديمقراطية  بالمسألة الوطنية   التي لن تتحقق دون" مشروع وطني و" أجندة" وطنية وثروات العرب للعرب و رفض التدخل العسكري و الوجود الأجنبي " وهي الخلاصة التي انتهى إليها الكاتب بعدما وضع لها ترتيبات نظرية و منهجية وشحذ لها جميع معارفه  النظرية عبر ما يزيد عن 300 صفحة وعلى مدى  عشرة فصول .
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه لقد جاءت أحداث ليبيا عكس ما تشتهيه أفكاره وتنظيراته و"مخططه" الفكري. لهذا بدا عليه الارتباك وهو يحلل الوضع في ليبيا، بين ضرورة التغير ورفض التدخل الخارجي. وتعمق الارتباك أكثر حد التلعثم مع المسألة السورية التي أفقدته سلاسة الحديث وانسيابية الفكر وفصاحة اللسان لأن  المسألة السورية منذ بدايتها لم تكن بعيدة عن مثيلتها الليبية .
إن  إشكالية  العامل الخارجي الذي أفصحت عنه الحالة الليبية  ليست موقفا خاصا بهذا المفكر أو ذاك ، إنما هي سمة مشتركة بين جميع  المهتمين ، يمينا ويسارا، بقضايا الفكر العربي ، وهذه المسألة تجد صيغتها المثلى مع اليسار الجزائري ،فمن يتابع الصحافة الناطقة  بالفرنسية و يتابع إسهامات بعض الأقلام  المحسوبة تاريخيا  على اليسار، يجدها تلتقي عند نقطة واحدة و وحيدة ،العداء الصارخ للربيع العربي .وبنفس منطق وأدوات التحليل التي تعود إلى حقبة ماضية .
لكن في حقيقة الأمر إن أزمة  الفكر العربي بدأت  تلوح في الأفق   في منتصف التسعينيات  مع ظاهرة العولمة والتغيرات البنيوية  العالمية . تمثلت في  سقوط السرديات  الكبرى: الماركسية سقط حاملها  الاجتماعي  فلم يعد واردا الحديث عن دور الطبقة العالمة  في تغير وجه التاريخ ،و اللبرالية  تحولت  إلى وحش في شكلها العولمي ، أما الإسلام السياسي فقد كفّر و هاجر . هذه الوضعية  العالمية  المستجدة  عرّت الفكر العربي الذي كان يقتات من فتات تلك السرديات الكبرى ، و أربكته وجعلته يقف في مفترق الطرق يواجه مأزقا بنيويا شاملا .
غير أن الربيع العربي  الذي فاجأ الجميع أعاد "خلط  الأوراق" وأدخلنا في صراعات مصيرية كبرى لا أحد يجرؤ ، مها ذهبت به الأوهام بعيدا حول نفسه ،على تحديد مآلها لأننا في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة أسدلنا الستار عن مرحلة ودشنا أخرى مغايرة تماما،هي جديدة  بدون أدنى شك على مستوي التقدم التاريخي، لكن يسودها الكثير من الغموض  بفعل العالم الخارجي الذي أصبح   محددا  وموجها للعامل الداخلي .
لكن ومها اختلفت وتقابلت التوصيفات حول القادم ،فإننا مقبلون عليه بدون رؤية فكرية ، بدون تصور للمستقبل ،بدون مشروع حضاري .والأخطر من ذلك كله لم يتحدد بعد  الحامل الاجتماعي للمرحلة التاريخية القادمة .وإذا أخذنا بعين الاعتبار تشتت وتبعثر قوى التقدم العربي وضعف عددها و عدتها. فإن القوى التقليدية  هي المرشحة  لاحتلال المواقع الأمامية .  وإذا صحت هذه الفرضية فسنجد أنفسنا أمام ذلك السؤال الخالد، ما العمل ؟  
    
.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire