dimanche 6 novembre 2011

تحية إلى برهان غليون وطيب تيزيني



                                                  
           



                                                   
أول لقاء لي بالمفكر برهان غليون كان في نهاية السبعينيات  مع كتابه " المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات" في إطار بحث بإشراف الدكتور عبد المجيد مزيان رحمه  الله . أما اللقاء الثاني  فكان مع كرّاسه "بيان من أجل الديمقراطية" الذي أثار سجالاصامتا في أوساط النخبة السورية،و المقصود بصامت لم يكن  على أعمدة  الصحف، إنما ضمن الحلقات الضيقة .                                                                 
 ومن ضمن الملاحظات التي جاءت  من طرف اليسار السوري كانت عن النزعة الشعبوية التي هيمنت على الكراس الذي طوره لاحقا وصدر في شكل كتاب.  أما اللقاء الثالث فكان مع كتاب " اغتيال العقل "الذي وزّع سرا في سوريا. لأن "كابران " الرقابة يبدو لم تعجبه مفردة  جاءت في الكتاب،  تتحدث عن الأقلية السياسية  والأكثرية السياسية، في الحقيقة كان تعبيرا ناعما عن الوضع الطائفي  داخل سوريا الذي لم يكن غائبا عن فكره وظل يوجهه منذ كتابه المبكر "  المسألة الطائفية " الذي أتينا على ذكره.  ثم توالت اللقاءات في كتبه المختلفة .  إلى أن جمعنا لقاء في الجزائر في بداية التسعينيات في سهرة طويلة، امتدت حتى مطلع الفجر ،بحضور الصديق محمد التين ،لما كان مناضلا يساريا، قبل أن يصبح سيناتورا ،كما كان حاضرا  الكاتب رشيد  بوجدرة .                                                                               
 ذلك اللقاء كان في بيت الصديق  الدكتور جمال لعبيدي  القيادي السابق في حزب الطليعة الاشتراكية  وأستاذ علم الاجتماع بجامعة  الجزائر، الذي تجمعه صداقة متينة تعود  إلى منتصف السبعينيات  لما كان برهان غليون أستاذا لعلم الاجتماع   بجامعة الجزائر قادما  إليها من باريس .                                .                                  
إذا كان من المتعذر اختزال أي مفكر، في فقرة أو فقرتين، لكن يمكن التقاط الفكرة أو مجموعة الأفكار المحورية التي توجه تفكيره . وفي حالة المفكر برهان غليون لا نبذل كثير  عناء  كي نتوقف  عند  القضية  المركزية التي اتكأ عليها في مجمل  إنتاجه الفكري الذي يتمحورحول المسألة الديمقراطية في الوطن العربي ومرتكزاتها و تداعياته  المختلفة                                                                             
 ما يميز مسار غليون الفكري دخوله المسألة الديمقراطية من  النافذة  الطائفية كواقع ملموس يصعب تجاهله، قادته لاحقا إلى  تناول جملة من المسائل  ذات صلة  بالموضوع  انتهت إلى  إشكالية الدولة الوطنية و المعوقات التي حالت دون بلوغ أهدافها الوطنية ثم  كيف تحولت لاحقا إلى عطالة سياسية، أو كما أطلق عليها الدولة ضد الأمة  في كتابه الموسوم " المحنة العربية  الدولة ضد الأمة" صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية  2003  " هذا الكتاب يعد بمعنى من المعاني  ذروة تفكيره كما يمثل موقفا فكريا من الدولة العربية الراهنة . وهو نفس الموقف الذي انتهى إليه المفكر طيب تيزيني في كتابه  الموسوم" بيان في النهضة و التنوير العربي "  الصادر عن دار الفارابي  2005  .لكن المفكر طيب تيزيني أضاف مسألة أخرى  على غاية من الأهمية  و الحساسية  فهو لم يتوقف عند حدود العام ، إنما  قام بتوصيف طبيعة هذه الدولة لمّا ميز بين  الدولة  البوليسية   و الدولة الأمنية  ،  الأولى  تكون عادة ضد خصومها  السياسيين : حزبيين  ومناضلين و نقابات عمالية و مثقفين معارضين .  أما الثانية الأمنية  فتكون ضد  المجتمع  بكل مكوناته،  وتجابهه بآليات متنوعة من ضمنها ، إلغاء الفعل  السياسي و الفعل الثقافي الذي يؤدي إلى تفكيك المجتمع السياسي  وبقايا المجتمع المدني وتحويل الفساد إلى إفساد قصدي ،وإفساد من لم يفسد بعد عبر ما لا يحصى من وسائل اللصوصية و الرشوة و التفكيك المؤسساتي و الإفساد القضائي و التدمير التعليمي ونشر الدعارة .                   
وإذ يظل طيب تيزيني أكثر عمقا وشمولية، إلا أن غليون كان سباقا  في تناول المسألة الديمقراطية في سياق تاريخي كانت غير مستساغة  من كل  الأطراف ، الأنظمة العربية تراها تهديدا لوجودها ، و اليسار العربي يرى فيها نزعة نحو الليبرالية  تقود إلى  الاعتراف بالمجتمع الطبقي. في وقت كان يرفع شعارات تتحدث عن  تحالف العمال و الفلاحين   والمثقفين الثوريين  وسائر الكادحين. أما الإسلاميون  فكانوا  يعدونها كفرا بواحا  وسيظلون كذلك طالما لا يزال  الخلط بين الديني والدنيوي.                                                
لقد ظل  برهام غليون  و طيب تيزيني   يغردان خارج السرب ، لكن لم يستسلما ولم ييأسا  وظلا يحلقان  بجناحين قويين في سماء أمة  العرب يبشران بالقادم  الأفضل . ولما جاء  الربيع  العربي، بكل تعقيداته وملابساته ، انخرطا فيه  لأنمها كانا سباقين  في وضع لبنته ا الأولى  في التأسيس له نظريا  وممارسته عمليا . لهذا ليس صدفة أن نراهما في  طليعة  الفعل الثوري .
  في المنفى  كان برهان غليون يفضح ممارسات النظام  ولم يأبه للتهديدات بالتصفية الجسدية  التي كانت تصله من أجهزة المخابرات السورية .و في الداخل كان طيب تيزيني يقارع نظاما مستبدا  ويوقع  البيانات و يتصدر المظاهرات ، وظل صامدا ثابتا لمّا تعرضت له المخابرات السورية أثناء مظاهرة في مدينة حمص و الاعتداء عليه وسحله في الشارع ورفسه على ظهره يعدها خبطوا رأسه على عمود كهربائي ولم يحترموا لا علمه ولا سنه الذي تجاوز 75 سنة.     
لهذا ننحني لكما احتراما  وتقديرا وإجلالا وإكبارا.وحتما  راحلون أولئك  القادمون من خرائب التاريخ، وحتما سيصبحون جزءا من حطام التاريخ  ،وحتما ستطل  علينا نجمة الصبح  البهية ، سمراء عربية ،وسنحميها هذه  المرة بحكمة واقتدار .  
           

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire